فتغيّر قلبه، وضاق صدره، وتغيّر حاله على معلّمه، فقال له يوما:
رأيتك تغيّرت عن الحالة- التى كنت عليها من الانبساط- أخبرنى ما بك؟!
قال: تغرّبت عن أهلى ووطنى بسبب منام رأيته ولم أر أثره! فقال له:
وما رأيت؟ فأخبره بالمنام. فقال له المعلم: إنّما هى أضغاث أحلام، والله إنّى أرى مثل رؤياك هذه سنين كثيرة، أرى «١» هاتفا يقول لى: امض إلى الدّار الفلانية بمصر وخذ منها رزقك من المحل الفلانى فيها.
فلما قال المعلم لعفّان ذلك، تأمّل عفان هذه الصّفة، فإذا هى داره، فودّع المعلم ورجع إلى مصر، فحفر الموضع الذي ذكره المعلم، فوجد فيه مالا كثيرا، فاشترى الأملاك والرياع وعمل فيها «٢» ، وأعطى الفقراء والأرامل والمساكين، وعمّر مسجدا عظيما يصلى فيه، وعمل بجانب المسجد «تربة» لدفنه.
روى «٣» أنّ إماما كان بمسجده من عباد الله الصالحين، ما وقف له فى يوم، ولا سأل حاجة، وما شرب من مائه قطّ، ولا أكل عنده ولا عند أحد مطلقا، فاتّفق أنّ الإمام «٤» أودع عنده رجل مالا فى صندوق، قدره عشرة آلاف دينار وسافر إلى الحجاز، وللإمام بنات، فزوّج بعضهنّ «٥» ، فلما سمعت زوجته بوقوع العقد أخذت من المال المودع عند بعلها وجهّزت البنات، فرآها وهى تجهّز، فقال لها: من أين لك هذا المال الذي تصنعين به ما أرى؟