فلما رجع الحاجّ صاحب المال إلى الإمام وطلب وديعته، فقال: بسم الله، ثم دخل ليأتيه بالمال، فلم يجد فى الصندوق شيئا! فقال لها: أين المال؟! قالت له: جهّزت به بناتك! فلطم الرجل رأسه، وخرج إلى صاحب المال وقال له: أمهلنى إلى الغد. واعتذر إليه بعذر. فتوجّه الرجل إلى داره. وخرج الإمام من ساعته ومضى إلى دار عفّان، وطرق عليه الباب. فخرج عفّان مسرعا، فقال له: ما الخبر؟ فقصّ عليه قصته. فقال له: لا تخف، وأتنى بالصّندوق. فملأ الأكياس كما كانت وربطها، وأغلق الصندوق كما كان، ودفعه للإمام.
فلما أصبح الصباح جاء صاحب الوديعة إليه، فسلّم له الإمام صندوقه «١» ، ففتحه صاحبه ونظر فيه، فاختلفت عليه العلامة، فقال له: ما هذه علامتى! فقال له: أما تعلم وزن مالك وعدده؟ قال: نعم. قال: فانظر فإن نقص لك شىء فأخبرنى به.
فقال له الرجل صاحب المال: أخبرنى ما وقع فى هذا المال. فقال له:
يا هذا، زن المال فإن نقص شيئا دفعته لك! فقال الرجل: لا آخذ إلّا مالى بعينه أو تخبرنى بما وقع.
فحدّثه الخبر، فقال له صاحب المال: جزاك الله عنى خيرا، وقبّل رأسه، وقال: اعلم أنّى أخرجت هذا لتجهيز بنت فقيرة، أو أرملة، أو كسوة عريان، وما أشبه ذلك، والآن، فقد كفيتنى هذه المئونة وأرحتنى من هذا التعب، جزاك الله خيرا! ثم ترك المال ومضى.
فأخذ الإمام المال وجاء به إلى عفّان وقال له: يا سيدى، خذ مالك، فقد سدّ الله عنى، جزاك الله خيرا! فقال له عفّان: أنا قد خرجت لله عنه وليس لى به حاجة. فقال الإمام: جزاك الله خيرا، ثم أخذ المال وتوجّه إلى منزله.