وما دام لها خاطر لا يصفو الذّكر.. وبقاء النفس هو الذي صعّب على العلماء الإخلاص فى تعليمه، فإن النفس إذا استولت على القلوب أسرتها، وصارت الولاية لها، فإن تحرّكت تحرّك القلب لها، وإن سكنت سكن من أجلها.
وحبّ الدنيا والرياسة لا يخرج قط من قلب العبد مع وجودها، فكيف يدّعى عاقل حالا بينه وبين الله- عزّ وجلّ- مع استيلائها؟ أم كيف يصحّ لعابد أن يخلص فى عبادته وهو غير عالم بآفاتها؟ فإن الهوى روحها، والشيطان خادمها، والشّرك مركوز فى طبعها، ومنازعة الحق والاعتراض عليه مجبول فى خلقتها، وسوء الظن وما ينتج من الكبر والدعوى وقلة الاحترام سيمتها، ومحبّة الصيّت والاستهتار حياتها ويكثر تعداد آفاتها، وهى التى تحب أن تعبد كما يعبد مولاها، وتعظّم كما يعظّم ربّها، فكيف يقرب عبد من مولاه مع بقائها ومصالحتها؟ ومن أشفق عليها لا يفلح أبدا، فيجب على الصادق أنّ كلّ ما تمقته النفوس يعانقه، وكلّ ما تميل إليه يفارقه، ويقبل من الذّامّين ذمّهم فيه، ويقول للمادحين: ما مدحتموه من وراء حجاب، ويقول لنفسه فى كلّ نفس: لا قرّب الله مرادك، وأبعد مرامك، فنعوذ بالله من أرض ينبت فيها نزاهة النفوس، فإن من لمح نزاهتها ورأى لها قدرا، أو علم أنّ فى الوجود أخسّ من نفسه فما عرف نفسه، فكيف ينزهها، أو يغضب لها، أو يؤذى مسلما لأجلها؟ فيجب اجتنابها كالسّمّ، وما دامت فى وجه القلب لا يصل إلى القلب خير، لأنها ترس فى وجهه، وكلّما قويت على القلب زاد شرّه، ونقص خيره، وما بقى منها بقية فالشيطان لا ينعزل عنها، والخواطر المذمومة لا تنقطع منها.
وقال، رضى الله عنه: لم يصل الأولياء إلى ما وصلوا إليه بكثرة الأعمال، بل بالأدب.
وقال عنه الإمام الشعرانى: ما رأيت فى لسان الأولياء أوسع أخلاقا منه- أى من أبى السعود بن أبى العشائر- ومن سيدى أحمد بن الرفاعى «١» .