ذلك مما قد حمله بعض الناس عليه وكيف يجوز أن يخير من له خيار بعقد البيع هذا يبعد في القلوب وإنما يكون التخيير لإيجاب ما لم يكن واجبا قبله على ما في رواية الليث من تعاقدهما البيع عليه وفي ذلك ما قد دل على أن البيع يجب بالتعاقد وإنه لا خيار لأحدهما فيه بعد عقده إلا أن يكون وقع على أن لأحدهما خيارا إلى مدة فيكون له الخيار إلى انقضاء تلك المدة وقد وجدنا الذي قال بالتفرق بالأبدان يقول إذا خير أحدهما صاحبه فالخيار الذي يجب له بذلك التخيير هو الذي كان واجبا له قبله فيكون كلام النبي صلى الله عليه وسلم على هذا لا فائدة فيه وحاضا لله أن يكون كذلك ولكنه عندنا على ما بينه الليث من انعقاد البيع عليه وإذا كان الخيار المشروط في البيع لا يمنع من له الخيار أن يكون مالكا قبل انقطاع خياره بعد الافتراق بالبدن كانا قبل الافتراق بذلك كذلك أيضا وكان الخيار المذكور في الحديث وجوبه وإن لم يشترط على خلاف ذلك وهو الخيار بين العقد وبين القبول على ما ذكرناه عن قائليه والنظر يوجب أن يكون تمليك الأموال بالبياعات يلزم بتمام البيع قبل الافتراق قياسا على تمليك المنافع بالإجارات وتمليك الإبضاع بالتزويجات والمخالعات وروي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"المتبايعان بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يكون صفقة خيرا فلا يحل له أن يفارق صاحبه خشية أن يستقيله".
يعني لا يحل للذي عليه الخيار أن يغيب عن الذي له الخيار خشية أن يريد رده عليه بما وجب له من الخيار فلا يجده ويكون هذا التفرق خلاف التفرق الأول المختلف في تأويله ويجوز في اللغة أن يقول ما فارقت فلانا منذ كذا سنة وأن كان فراقه ببده في بعض المدة غير أنه لازمه الملامة المعقولة من مثله وهذا يؤيد ما ذهب إليه أبو حنيفة ومحمد من عدم جواز الفسخ بالخيار إلا بحضرة صاحبه وروي عن حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المتبايعان بالخيار حتى يتفرقا أو ما لم يتفرقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما