للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقد أخبر القرآن الكريم أنهم لم يفهموا الذات العلية الفهم الصحيح، وظنوا أنه من الممكن رؤيتها؛ بل علقوا

إيمانهم بموسى ورسالته على رؤيتهم لله تعالى وفي هذا يقول القرآن الكريم: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (١).

وأخبر أيضًا عنهم أنهم لم تطمئن نفوسهم إلى عبادة إله لا يستطيعون رؤيته ... وأنهم ارتدوا عن عبادة إلههم أكثر من مرة، فعبدوا العجل تارة والأصنام تارة أخرى ثم اتجهوا بعد ذلك إلى الاعتقاد بأن لهم إلهًا خاصًا بهم وهم أولاده وأحباؤه (٢).

والمتتبع لتاريخ بني إسرائيل يلاحظ: (اتجاههم إلى التجسيم والتعدد والتشبيه وحاولوا إدخال مواريثهم وتقاليدهم الوثنية في تصورهم للإله الواحد الذي دعاهم إليه موسى عليه السلام وتقرر التوراة قصة العجل الذي صنعوه وعبدوه بعد أن تأخر موسى عليه السلام في العودة إليهم، وكيف خلعوا ملابسهم وأخذوا يرقصون أمام هذا الرب عراة، وقد أعدم موسى ثلاثة آلاف منهم عقابًا لهم على عبادة هذا الوثن (٣)، فالإله عند اليهود من صنع أنفسهم، وصور هذا الإله تختلف من حالة إلى أخرى عندهم، ومن سفر من أسفار التوراة إلى آخر، وما دام هذا الإله من صنعهم فإنهم عادة يحبون أن يروه محسوسًا يكلمهم ويكلمونه ويرونه مثلما يراهم، ولم يكن غريبا أن يوصف في التوراة بأنه رب الجنود فقد جاء في سفر أشعياء" ولذلك يقول السيد رب الجنود عزيز إسرائيل: آه إني أستريح من خصمائى وأنتقم من أعدائى" (٤)) (٥).

إلى غير ذلك من الصفات التي ألصقوها بالله سبحانه وتعالى عما يقولون علوًا كبيرًا ولذلك أثبت علماء المسلمين في- فترة البحث - مدى التناقض والاختلاف بين نصوص العهد القديم والعهد الجديد في قضية الألوهية والربوبية والأسماء والصفات وقد اجتهد النقاد المسلمون بتعرية باطلهم والانقضاض عليه بالحجة تلو الحجة والأدلة القاطعة على افتراءاتهم من وصف الله عَزَّ وَجَلَّ بأمور لا تليق بذاته العليه وتتنافى مع جلاله وعظمته، وتنوعت جهود العلماء في بيان ما وقع في العهد القديم من أمور مخالفة لما يجب في حقه سبحانه وتعالى ويمكن حصر ما قام به العلماء من نقد هذه العقيدة وذلك ببيان ما فيها من انحراف ظاهر في العهد القديم تحت الأصول الثلاثة التالية:-

- الأول: "توحيد الربوبية" (٦).


(١) الآيتان من سورة البقرة رقم (٥٥، ٥٦)
(٢) يراجع الأسفار المقدسة ص ١٠، ١١ باختصار.
(٣) يشير الكاتب إلى سفر الخروج: (٣٢/ ١ - ١٩) العجل الذهبي.
(٤) اشعياء: (١/ ٢٤) أمة متمردة.
(٥) اليهود واليهودية والإسلام د/ عبد الغني عبود ص ٣٩ ط دار الفكر العربي ١٩٨٢م.
(٦) هو: الإقرار بأن الله تعالى رب كل شىء ومالكه وخالقه ورازقه، وأنه المحيي المميت النافع الضار المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار الذي له الأمر كله وبيده الخير كله القادر على ما يشاء ليس له في ذلك شريك ويدخل في ذلك الإيمان بالقضاء والقدر وهذا التوحيد لا يكفي العبد في الحصول علئ الإِسلام بل لا بد أن يأتي مع ذلك بلازمه من توحيد الألوهية والمشركون مقرون بهذا التوحيد لقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} (الزخرف الآية: ٨٧) (تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد. للشيخ / سليمان بن محمَّد بن عبد الوهاب ص ٢٠، ٢١ ط دار الفكر ١٤١٢ هـ -١٩٩٢ م.

<<  <   >  >>