للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الوجه الأوّل:

يُقال لهم إذا قلتم إن المسيح بعد الاتحاد باق على طبيعته ومشيئته كما كان قبل الاتحاد فقد أبطلتم الاتحاد إذ الاتحاد عبارة عن صيرورة الأكثر من الواحد واحدًا فإذا كان جوهر الأزلي باقيًا بحاله وجوهر الإنسان باقيًا بحاله فقد آل الاتحاد إلى مجرد تسمية فارغة عن المعني خالية من الفائدة.

[الوجه الثاني]

يُقال لهم أتقولون أن اللاهوت اتحد بالناسوت حقيقة أو مجازًا فإن قالوا إن ذلك تجوزًا وتوسعًا أبطلوا الاتحاد وتجوزوا بإطلاق ما لا يجوز إطلاقه على القدير سبحانه، وإن قالوا إنه اتحد حقيقة لزمهم أن يكون مشيئتهما واحدة؛ لأنّ الواحد لا يكون له إلا مشيئة واحدة إذ لو كان للواحد مشيئتان للزما أن يكونا متماثلتين أو مختلفتين فإن كانتا متماثلتين فإحداهما معنية عن الأخرى وإن كانتا مختلفتين تناقضت أحكامهما وامتنع حصول مرادهما فثبت أنه لا بد من إبطال إحدى المشيئتين إن كان الاتحاد حقيقة، أو إبطال الاتحاد جملة إن ثبتت المشيئتان (١).

[الفرقة الثالثة: فرقة النسطور]

وهم نصارى المشرق أصحاب نسطورس (٢) أخذوا الأمانة عن المسيح ساعدوا نسطورس على رأيه فنسبوا إليه، ومذهبها: أن المسيح بعد الاتحاد جوهران وأقنومان باقيان على طباعهما كما كانا قبل الاتحاد وردوا الاتحاد إلى خاص البنوة وهو علم الباري قالوا: هذا الشخص المأخوذ من السيد شارك الله في هذه الخاصة فصار بها ابنًا وشريكًا ومسيحًا (٣).

وقد رد عليهم الشيخ المسعودى بطرق عقلية كثيرة وأدلة نقلية من الكتاب المقدس أظهرها ما يلي:

١ - أن يُقال: إذا قلتم إن الجوهرين باقيان والأقنومين باقيان فلا موقع للاتحاد وصار اسمًا ساذجًا لا ثمرة له ولا فائدة.

٢ - أن يُقال: كون المسيح أقنومين مكذب بالحس وذلك أن الذي يراه كل ذى بصر صحيح من المسيح إنما هو شخص واحد، وتكذيب أصدق الحواس وهو البصر لا سبيل إليه.


(١) المنتخب الجليل: ص ١٥٥ - ١٥٦.
(٢) النسطررية هم: أصحاب نسطور الحكيم الذي ظهر في زمان المأمون، قال إن الله واحد ذو أقانيم ثلاثة "الوجود والعلم والحياة" وهذه الأقانيم ليست زائدة على الذات ولا هي هو واتحدت بجسد عيسي -عليه السلام- كما تشرق الشمس على بلور أو النقش في الخاتم يرون أن المسيح إله تام وإنسان تام انظر: الملل والنحل للشهرستاني (٢/ ٥٣) بهامش الفصل في الملل والنحل.
(٣) المنتخب الجليل: ص١٥٧، مع الحذف.

<<  <   >  >>