من المعلوم الذي لا يقبل الشك أن المجتمع يكون متماسكًا إذا التزم أفراده بالأخلاق الكريمة، أما إذا تخلى عنها أفراده فإنه بالتالي يحمل عوامل انهياره ولو بعد حين ولذلك فإن الأخلاق قوام الأمم والحضارات وهي من الأسس التي ينبني عليها كل دين جاء من عند الله -عزّ وجلّ- بعد العقائد والتشريعات.
والالتزام بهذه الأخلاق التي يأمر بها الله -عز وجلّ- والاستقامة عليها مطلب رباني على لسان رسله الكرام، وقد قام رسل الله عليهم السلام بأداء هذه الرسالة خير قيام، والتزم من أتباع الرسل من التزم وخالف من خالف وكان من الذين خالفوا وانحرفوا عن الطريق المستقيم بنى إسرائيل، فكذبوا الرسل وقتلوا منهم من قتلوا، وتحريفهم للتوراة من أجل خدمة أغراضهم وتأييد أفعالهم، وليكون ذلك تبرير لما يصدر عنهم من سلوكيات، وقد اجتهد علماؤنا الأجلاء في بيان هذا الانحراف السلوكي ونقد التصرفات الغير أخلاقية، وبينوا أن ما تعج به التوراة من نصوص تحكي وقائع لا أخلاقية لهي نموذج يستحضره اليهود في تصرفاتهم الحاضرة، ويفتخرون بما صنعه أجدادهم في الماضي من فساد وتدمير للأخلاق، وحول هذا الموضوع تعددت الرؤى النقدية لعلمائنا الأجلاء- فترة البحث- على النحو التالي:
[١ - رصد الظواهر السلبية]
اتبع بعض علمائنا الأجلاء في نقدهم للجانب الأخلاقى في العهد القديم رصد الظواهر السلبية التي تلصقها التوراة بالأنبياء وذويهم تصل إلى حدّ إقرار الكبائر دون ما عقاب عليها وردوا هذه الاقامات مبينين أن الأنبياء وبيوتهم بريئة ومنزهة عن هذه الافتراءات من هؤلاء العلماء أ/ عبد الله التل في كتابه "جذور النبلاء".
[٢ - الالتزام بالموضوعية في معالجة الجانب الأخلاقي في العهد القديم]
من العلماء من تتبع أسفار العهد القديم مفتشًا فيها على ما يتصل بالجانب الأخلاقي ووقف مع الوقائع اللا أخلاقية التي تصل إلى حدّ التفريط والانحلال الخُلقى وغير ذلك من مخالفات خُلقية ونقدها نقدًا موضوعيًا، من هؤلاء، د/ على خليل، في كتابه التعاليم اليهودية.
[٣ - تحليل النص التوراتي]
من العلماء من يسرد القصة التوراتية أو النص ثم ينتقد ما يراه من مخالفات من أوجه متعددة تدل على باعه الطويل وخبرته وتمكنه من ناصية النص التوراتي فيحلله مستخرجًا ما فيه من أخطاء تدل على بشاعة ما تدعيه التوراة وتؤكد مدى الانحلال الخُلقي الذي تدعو إليه أسفار العهد القديم من هؤلاء الأفذاذ العلامة رحمة الله الهندي.
ولتوضيح تلك الرؤى النقدية المتعددة لعلمائنا الأجلاء أبين في الصفحات التالية كيف وضع النقاد أيديهم على المواطن التي تشعر بعدم أخلاقية اليهود كما تصورها نصوص العهد القديم، وذلك من خلال المباحث التي يشتمل عليها هذا الفصل: