[٢ - الاتجاه نحو التخصصية والموضوعية في مناقشة القضايا]
يتبنى هذا الاتجاه بعض العلماء في العصر الحديث والحاضر أولئك الذين تغلب التخصصية على مؤلفاتهم فتصبغها بصبغة علمية منهجية وتلك هي طبيعة الدراسات الأكاديمية إلى تتميز بالموضوعية التامة في معالجة القضايا وهذه ميزة البحث العلمي الذي يعتني بتقسيم الموضوع - محل الدراسة والنقد - وترتيبه بحيث إذا أراد الباحث أن يتعرف على محتويات كتاب نقدي ما يكون ذلك سهلًا وميسورًا في الوصول إلى ما يريد من هؤلاء العلامة الهندي، د/ المطعني، د/ المسيري، د/ مزروعة، د/ صفوت مبارك وغيرهم.
والملاحظ أن الناقد عندما تتوفر لديه المؤهلات العلمية لنقد موضوع معين في الكتاب المقدس ثم يوظف هذه المؤهلات توظيفًا علميًا دقيقًا قائمًا على أصول منهجية حينئذ يأتي إنتاجه علامة متميزة في المجال الذي يكتب فيه ويسهم إلى حد كبير في إثراء الجانب الثقافي للباحثين عن الحق أين ما كانوا وهذا ما فعله بعض المتخصصين في مجال دراسة الأديان والمهتمين بدراسة الكتاب المقدس.
وعند الوقوف أمام هذا الجهد الرائع في تجلية الحقائق ومعالجة أخطر القضايا في العهد القديم يبرز في المقدمة جهد شيخ الإِسلام ابن تيميه حيث يضع يده على نصوص تقدح في مقام الذات العلية يليه في بيان ذلك كل من العلامة الهندي والإمام الألوسي حيث أكدا على وجود التناقض في نصوص العهد القديم حول هذه القضية ببيان ما يدل على التجسيم في مواضع منه وبيان ما يدل على نفى التجسيم في مواضع أخرى.
وفي العصر الحديث تلمع بين الكتاب المعاصرين جهود قيمة لباحثة أجادت في ترتيب المحاولات النقدية لهذه الأصول الثلاثة ببيان مواطن الحق في العهد القديم وبيان ما يقدح في مقام أيٍ منها تلك هي الباحثة / سميرة عبد الله بناني. في أطروحتها المطبوعة:"جهود الإمامين ابن تيميه وابن قيم الجوزية في دحض مفتريات اليهود" وفي الصفحات التالية أتناول الأصول الثلاثة بالمناقشة والتحليل من خلال جهود العلماء إن شاء الله تعالى.
[الأصل الأول: نقد توحيد الربوبية في العهد القديم]
من أقوى صور النقد عند علماء المسلمين أن يعرض الكاتب لوجهتين أحدهما إقرار والثانية نفى وبالتالى عند التعارض يكون التوقف ورد تلك القضايا المتنازع فيها بين النفي والإثبات هذا ما فعلته أ/ سميرة عبد الله بناني إذ بينت أن هناك نصوصًا في العهد القديم تثبت توحيد الربوبية وفي الوقت نفسه عرضت لنصوص أخرى تقدح في خصائص الربوبية وهذا كله يناقض توحيد الروبية.