للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد ذكر العلامة الهندي، ما يناقض ما استدلوا به على التجسيم وأن هناك آياتٍ في العهد القديم مضمونها ينفى التجسيم والتشبيه فيقول:

(وللتنزيه في التوراة آيتان هما: "فكلمكم الرب من جوف النار فسمعتم صوت كلامه ولم تروا الشبه البتة" (١) وقوله: "فاحتفظوا بأنفسكم بحرص فإنكم لم تروا شبيها يوم كلمكم الرب في حوريب من جوف النار" (٢) ولما كان مضمون هاتين الآيتين مطابقًا للبرهان العقلى في تنزيه الله سبحانه وتعالى عن الجسمية والتشبيه بخلقه وجب تأويل الآيات الغير محصورة والإمساك عن القول بظواهرها الدالة على الجسم والشبه لا تأويلها وأهل الكتاب ها هنا أيضًا يوافقوننا على أنه ليس المراد ظواهرها البينة البطلان؛ لأن الجسمية محالة في حقه تعالى ولا يرجحون تلك الآيات الكثيرة على هاتين الآيتين) (٣) ووافقه على ذلك الألوسي (*).

[وهنا لا بد من وقفة نقدية حول هذا الموضوع]

فقد استدل علماؤنا الأفاضل على إثبات الجسمية لله تعالى من التوراة، واستدل البعض الآخر على نفيها وتنزيه الله سبحانه وتعالي عنها ولذلك يقول الألوسي: (إذا تعارض القولان فلابد من إسقاطهما إن لم يمكن التأويل، أو من تأويلهما إن أمكن، ولابد أن يكون التأويل بحيث لا يستلزم المحال أو الكذب مثلا: الآيات الدالة على الشكل والجسمية تعارضت ببعض الآيات الدالة على التنزيه فيجب تأويلها ... لكن لا بد ألا يكون التأويل بأن الله متصف بصفتين أعني الجسمية والتنزيه، وإن لم تدرك عقولنا هذا الأمر، فإن هذا التأويل باطل محض، كما قالوا لا يرفع التناقض) (٤). وبناءً على ما تقدم من وجود التناقض في العهد القديم، ففيه ما يدل على إثبات التجسيم في حقه تعالى وفيه ما ينفي التجسيم والتشبيه وفي هذا ما فيه من بطلان ما تدعيه التوراة في حقه سبحانه إذ كيف تستقيم القضية وبعض الآيات تثبتها وبعض الآيات تنفيها، وفي هذا من التناقض مالا يخفى على ذي عقل.

[٢ - إثبات المكان للذات العلية -سبحانه عما يصفون]

تتبع العلامة رحمة الله الهندي والألوسي النصوص التي تثبت التحيز والمكانية لله -سبحانه وتعالى- وبينا أنه توجد في العهد القديم آيات كثيرة تدل على إثبات المكان لله تعالى من هذه الآيات، الآية التي تقول: "الله معروف في يهوذا واسمه عظيم في إسرائيل كانت في ساليم مظلته ومسكنه في صهيون" (٥)، والآية التي تقول:"فيصنعون لي مقدسًا لأسكن في وسطهم" (٦) وغير ذلك من الآيات كثير (٧).


(١) تثنية (٤/ ١٢) الأمر بالطاعة.
(٢) تثنية (٤/ ١٥) السابق.
(٣) إظهار الحق: (٢/ ٣١٧، ٣١٨).
(*) الجواب الفسيح: (١/ ١٧٢).
(٤) الجواب الفسيح: (١/ ١٨٥) (وقد يقول البعض: إن في القرآن آيات متشابهات فهل تؤل أم تحمل على ظاهرها وللجواب على هذا التساؤل يقول الإمام الألوسي: "إن ما ورد في القرآن الكريم من الآيات المتشابهات لا يراد بها ظاهرها من الجسمية والمكان بل تؤل تأويلًا مناسبا أو تفوض الكيفية إلي عالمها الباري سبحانه ويؤمن المؤمن بها من غير تشبيه ولا تجسيم ولا تكييف ولا تعطيل كما قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] فأول الآية رد على الشبه وآخرها رد على المعطله (انظر: الجواب الفسيح ١/ ١٨٥).
(٥) مزامير: (٧٦/ ١ - ٢) لإمام المغنيين على "ذوات الأوتار" مزمور لآِساف. تسبيحةُ.
(٦) خروج: (٢٥/ ٨) التقدمات لخيمة الاجتماع.
(٧) لمزيد من التفصيل انظر: إظهار الحق: (١/ ٣١٨)، الجواب الفسيح: (١/ ١٧٢، ١٧٣) بتصرف.

<<  <   >  >>