للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتتجلى رؤية الشيخ المسعودى في ثوبها العلمي القشيب الذي ينم عن درايته بقواعد نقد السند طارحًا في أثناء رده عليهم الافتراضات التي ربما تعن لسائل منهم أن يسأل أو لمدع أن يلتمس عذرًا لما يقولون .. وتتلخص رؤيته النقدية فيما يلي:

يقال للنصارى ما ادعيتموه من قتل المسيح وصلبه أتنقلونه تواترًا أم آحادًا؟ فإن زعموا أنه آحاد لم يقم بذلك حُجة ولم يثبت العلم الضروري، إذ الآحاد لا يؤمن عليهم السهو والغفلة والتواطؤ على الكذب، وإذا كان الآحاد يعرض ذلك لهم فلا يحتج بهم في القطعيات (١).

وإن عزو ذلك إلى التواتر، قلنا لهم شرط التواتر استواء الطرفين فيه والواسطة، وهو أن ينقل الجم الغفير عن الجم الغفير عن الذين شاهدوا المشهود به وهو المصلوب -وعلموا به ضرورة فإن اختل شيء من ذلك فلا تواتر، فإن زعموا أن خبرهم في قتل المسيح وصلبه هذه الصفة كذبتهم الأناجيل إذ قالت: إن المأخوذ للقتل كان في شرذمة يسيرة من تلاميذه فلما قُبض عليه هربوا بأسرهم ولم يتبعه أحد سوى بطرس من بعيد، فلما دخل الدار حيث اجتمعوا نظرت جارية منهم إلى بطرس فعرفته، فقالت هذا كان مع يسوع فحلف أنه لا يعرف يسوع ... وخادعهم حتى تركوه وذهب (٢) وأن شابًا آخر تبعه وعليه إزار فتعلقوا به "فترك إزاره في أيديهم وذهب عريانًا" (٣).

فهؤلاء أصحابه وأتباعه لم يحضر منهم ولا رجل واحد بشهادة الأناجيل، وأما أعداؤه من اليهود الذين يزعم النصارى أنهم حضروا الأمر لم يبلغوا حد التواتر؛ بل كانوا آحادًا وأفرادًا، وهم أعداؤه ويُحتمل تواطؤهم على الكذب على عدوهم إيهامًا أنهم ظفروا به (٤).

[ب- الرؤية النقدية حول عقيدة الصلب لبعض المحدثين]

ولكثرة الردود الإجمالية على عقيدة الصلب أذكر منها ما يلي:

يعرض م / الطهطاوي؛ أ/ محمَّد رشيد رضا (٥)، وغيرهما من العلماء مختصرًا لفكرة الصلب قبل مناقشتها ثم يعقبون عليها بالردود الشافية الكافية في إبطالها، ويعترضون عليها بافتراضات عقلية تبين فسادها وفي عرضهم للفكرة يقولون:


(١) المنتخب الجليل: المسعودى، ص ٢٧٤.
(٢) انظر: متى: (٢٦/ ٦٩ - ٧٤) إنكار بولس.
(٣) انظر: مرقس: (١٤/ ٥٢) وقد انفرد مرقس بذكر هذه الواقعة.
(٤) المنتخب الجليل: ص ٢٧٤.
(٥) هو: محمَّد رشيد علي رضا بن علي خليفة القلامونى البغدادي الأصل، ولد ونشأ في القلامون بالشام سنة ١٨٦٥ م، صاحب مجلة المنار، له مؤلفات منها: عقيدة الصلب والفداء، شبهات النصارى وحجج الإِسلام، توفي بمصر سنة ١٩٣٥م (الأعلام للزركلي ٦/ ١٢٦).

<<  <   >  >>