للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المحور الثاني: تحريف التوراة وكتب الأنبياء "العهد القديم"]

في هذه القضية يكاد يتفق جميع علماء المسلمين في الماضي والحاضر على أن اليهود قد حرفوا الكتب إلى بين أيديهم وقالوا إن التحريف بقسميه اللفظي والمعنوي واقع في التوراة وكتب الأنبياء "العهد القديم" وفي الصفحات التالية أعرض للمحاولات النقدية لبعض علماء المسلمين - فترة البحث - حول هذه القضية ويبرز في مقدمة هذه الجهود القيمة ما قام به العلامة رحمة الله الهندي بصورة موسعة وموثقة بالشواهد من العهد القديم التي تثبت وقوع التحريف فيه وقد سبقه في ذلك أيضًا - من علماء فترة البحث - شيخ الإسلام ابن تيميه وتلميذه ابن القيم وجهودهما في إثبات التحريف تتميز بالمحاورات العقلية الرائعة مما يدل على عمق الفهم وبراعتهما في إثبات ما ورد في الكتاب المقدس من تحريف.

ولقد ادعى اليهود عدم تحريف الكتب المنزلة السابقة وكان لشيخ الإسلام ابن تيميه جهدًا قيمًا يتميز بالبلاغة والإيجاز في الرد على هذه الدعوى التي تبناها أهل الكتاب فقام بتنفيذها عن طريق الجدل الهادف البناء والحوار العقلى المنطقي المستقى من وجهة النظر الإسلامية مع تأكيد هذا الحوار الجدلي بالمقدمات المنطقية السليمة إلى تؤدي إلى بطلان الدعوى ثم يستدل على صحة ما يقول بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية فيقول رحمه الله:

(إذا عرف أن جميع الطوائف من المسلمين واليهود والنصارى يشهدون أنه قد وقع في هذه الكتب تحريف وتبديل في معانيها وتفسيرها وشرائعها فهذا القدر كاف ... والمسلمون يثبتون بالدلائل الكثيرة أنهم - اليهود - بدلوا معاني التوراة والإنجيل والزبور وغيرها من نبوات الأنبياء وابتدعوا شرعًا لم يأت به المسيح، ولا غيره ولا يقوله عاقل مثل زعمهم أن جميع بني آدم من الأنبياء والرسل وغيرهم كانوا في الجحيم في حبس الشيطان لأجل أن أباهم آدم أكل من الشجرة وأنهم إنما تخلصوا من ذلك لما صلب المسيح) (١).

ثم يرد على هذا الزعم بقوله:

وآدم - عليه السلام - وإن كان أكل من الشجرة - فقد تاب الله عليه واجتباه وهداه فقال تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} (٢) وقال تعالى أيضًا: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (٣) وليس عند أهل الكتاب في كتبهم ما ينفى توبته، وإنما قد يقول قائلهم إنا لا نعلم أنه تاب أو ليس عندنا توبته وعدم العلم بشىء ليس علماً بعدمه، وعدم وجود الشيء في كتاب من كتب الله لا ينفى أن يكون في كتاب آخر ففي التوراة ما ليس في الإنجيل وفيهما ما ليس في الزبور وفي الإنجيل والزبور ما ليس في التوراة، وفي سائر النبوات ما لا يوجد في هذه الكتب. والقرآن لو كان دون التوراد والإنجيل والزبور والنبوات أو كان مثلها لأمكن أن يكون فيه ما ليس فيهما، فكيف إذا كان أفضل وأشرف وفيه من العلم أعظم مما في التوراة والإنجيل وقد بين الله تعالى فضله عليهما في غير موضع كقوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ (٤)} (٥).


(١) الجواب الصحيح: ١/ ٤٢١.
(٢) سورة طه: (١٢١، ١٢٢).
(٣) سورة البقرد الآية ٣٧.
(٤) سورة الزمر الآية ٢.
(٥) الجواب الصحيح لابن تيميه ١/ ٤٢٢، ٤٢٣ وانظر: إظهار الحق ٢/ ٥٥٤.

<<  <   >  >>