للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[مناقشة العلماء للأمر الأول: ولادة سيدنا عيسى -عليه السلام- من غير أب]

ينتقد العلامة رحمة الله الهندي قولهم بولادته من غير أب بقوله:

إن استدلال النصارى بولادة عيسى -عليه السلام- بلا أب هو استدلال ضعيف جدًا؛ لأنّ العالم حادث بأسره، وما مضى على حدوثه إلى هذا الزمان ستة آلاف سنة- على زعمهم- وكل مخلوق من السماء والأرض والجماد والنبات والحيوان وآدم خلق عندهم في أسبوع واحد، فجميع الحيوانات مخلوقة بلا أب وأم، فكل هذا يشارك المسيح في كونه مخلوقًا بلا أب، ويفوق عليه في كونه بلا أم ... آدم -عليه السلام- يفوق عليه وكذلك "ملكى صادق الكاهن" - ملك أورشليم- الذي هو معاصر لإبراهيم -عليه السلام- ففى الرسالة العبرانية: "بلا أب بلا أم بلا نسب لا بداءة أيام له ولا نهاية حياة" (١) فيفوق المسيح في كونه بلا أب وفي كونه لا بداية له (٢).

وقد فند شيخ الإِسلام مقولة تأليه المسيح -عليه السلام- بسبب ولادته من غير أب بالأدلة العقلية والنقلية من وجوه كثيرة منها:

أن قول الله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (٣).

كلام حق فإنه سبحانه وتعالى خلق هذا النوع البشرى على الأقسام الممكنة ليبين عموم قدرته فخلق آدم من غير ذكر ولا أنثى، ... وخلق المسيح من أنثى بلا ذكر وخلق سائر الخلق من ذكر وأنثى وكان خلق آدم وحواء أعجب من خلق المسيح ... ، فلهذا شبهه الله بخلق آدم، الذي هو أعجب من خلق المسيح، فإذا كان سبحانه قادرًا أن يخلقه من تراب، والتراب ليس من جنس بدن الإنسان، أفلا يقدر أن يخلقه من امرأة هى من جنس بدن الإنسان، وهو سبحانه خلق آدم من تراب ثم قال له كن فيكون لما نفخ فيه من روحه، فكذلك المسيح نفخ فيه من روحه وقال له كن فيكون، ولم يكن آدم بما نفخ فيه من روحه لاهوتًا ولا ناسوتًا؛ بل كله ناسوت فكذلك المسيح كله ناسوت (٤).


(١) الرسالة إلى العبرانيين: (٧/ ٣).
(٢) انظر: إظهار الحق: ٢/ ٣٥٧، ٣٥٨، بتصرف بالحذف.
(٣) سورة آل عمران الآية: (٥٩).
(٤) الجواب الصحيح: ٢/ ٣٤٠ - ٣٤١، بتصرف بالحذف، الجواب الفسيح: ١/ ٢٣٢.

<<  <   >  >>