للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الخامس جهود علماء المسلمين -فترة البحث- في نقد عقيدة الحلول (١) والاتحاد (٢)

اختلف النصارى اختلافًا كبيرًا حول شخصية المسيح -عليه السلام- بين مؤمن معترف به كنبي ورسول وبين مغالٍ فيه فتارة يعتقدون بألوهيته وبنوته وتارة يقولون إنه إله تام وإنسان تام وتارة أخرى يقولون بحلول الله في جسد المسيح واتحاده به .. إلى غير ذلك من الشطط والانحراف.

ولقد اجتهد علماؤنا الأجلاء -فترة البحث- في إبطال هذه المزاعم المفتراة بالأدلة العقلية تارة وبالأدلة النقلية تارة أخرى.

وفي هذا المبحث أبين بعون الله وتوفيقه كيف نقد علماء المسلمين عقيدة الحلول والاتحاد .. ولذلك يمكن حصر ما قاموا به في النقاط التالية:

١ - آراء الطوائف النصرانية في الحلول والاتحاد وجهود العلماء في الرد عليها.

٢ - الأدلة التي يستندون عليها في الحلول والاتحاد وجهود العلماء في الرد عليها ونقدها.


(١) الحلول لغة: النزول، وهو عبارة عن اتحاد الجسمين بحيث تكون الإشارد إلى أحدهما إشارة إلى الآخر، كحلول ماء الورد في الورد، والحلول نوعان عام وخاص، فالحلول العام معناه: حلول الله في الكون فيصبح الكون كله بكل جزيئاته محلًا له سبحانه وتعالي وهو قول غالب متعبدة الجهمية الذين يقولون: "إن الله بذاته في كل مكان ولا يخلو منه مكان"، والحلول الخاص: يُقصد به حلول ذات الله أو صفة من صفاته في جسد إنسان معين من خلقه أو روحه أو في أي كائن آخر حيًا كان أو جمادًا بحيث يصبح هذا الشخص المعين أو الكائن المعين محلا للإله ومظهرًا له .. وهذا النوع من الحلول هو الذي تقول به النصارى حيث يقولون: إن ذات الله حلت في عيسى كحلول الماء في الإناء، وكلا النوعين باطل في حق الله لما يترتب عليه من المحاولات في حقه عز وجل. (انظر: لسان العرب ٢/ ٩٧٢)، والتعريفات للجرجاني ص٨٢، ٨٣، ط/ الحلبي، ١٩٣٨م، موقف ابن تيميه من النصرانية: ١/ ٢١٢ - ٢١٤، باختصار.
(٢) الاتحاد لغة: صيرورة الشيئين واحدًا: "وأحد الاثنين أي صيرهما واحدًا" انظر: تاج العروس: (٢/ ٢٨٨) فصل الهمزة باب الدال، والتعريضات للجرجاني ص٦. والاتحاد نوعان: عام وخاص، فالاتحاد العام هو اتحاد الذات الإلهية مع جميع الكائنات فتصبح عين وجودها وهو قول الملاحدة الذين يزعمون أن ذات الله هي عين وجود الكائنات. والاتحاد الخاص: هو اتحاد الذات الإلهية ببعض الناس المخصوصين وامتزاج هذه الذات مع الإنسان في شخص واحد، كما تقول بذلك فرق النصارى حيث يقولون: باتحاد اللاهوت والناسوت معًا، وامتزاجهما في شخص المسيح -عليه السلام- وكلا النوعين باطل في حق الله عَزَّ وَجَلَّ لما يترتب عليهما من المحاولات في حقه سبحانه وتعالي. انظر: مجموع الفتاوى لابن تيميه: ٢/ ١٧١، بتصرف، موقف ابن تيميه من النصرانية: (١/ ٢١٥).

<<  <   >  >>