للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تمهيد]

تبيّن فيما سبق أن الله -عز وجل- أرسل سيدنا عيسى -عليه السلام- إلى بني إسرائيل ليزيل تشددهم، ويكِّمل ويتمم لشريعة سيدنا موسى -عليه السلام-، فأتبعه فريق وخالفه فريق آخر ويا ليت من اتبعه منهم قد التزموا بما أمره الله -عز وجلّ- مثلما فعل الحواريون الذين ناصروه واعتدلوا في اعتقادهم به فآمنوا أنه بشر رسول من عند الله -عزّ وجلّ- فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ} (١).

ومن المؤسف أن الذين ادعوا أنهم نصارى قد انحرفوا في اعتقادهم في الله سبحانه وتعالي وفي سيدنا عيسى -عليه السلام- وتلوثت عقائدهم بكثير من العقائد الوثنية متأثرين بعقائد الشعوب التي خالطوها، من هذه الانحرافات العقائدية أنهم اتخذوا رجال الدين عندهم أربابًا من دون الله فقال تعالى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (٢).

وانحرفوا عن عقيدة التوحيد الخالص الذي جاء به عيسى -عليه السلام- وغيره من الرسل فجعلوا الله ثالث ثلاثة فقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ} (٣).

وقد اشتهر هؤلاء بالمثلثة وتنص عقيدتهم على أن عيسي ابن الله وتارة يقولون هو الله ويقولون الله الأب، والله الابن والله الروح القدس، وتأصلت فيهم عقيدة التثليث جيلًا بعد جيل إلى الآن، وغالوا في سيدنا عيسى -عليه السلام- فقال الله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (٤).


(١) سورة الصف الآية: (١٤).
(٢) سورة التوبة الآية: (٣١).
(٣) سورة المائدة الآية: (٧٣).
(٤) سورة المائدة الآية: (١٧).

<<  <   >  >>