للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويقيم البغدادي رحمه الله، الأدلة العقلية والنقلية على بطلان القول ببنوة المسيح لله تعالى وبالتالي أبوة الله له على الحقيقة فيقول: جعل المسيح "ابن الله" أي مولودًا منه -كما أطلق عليه النصارى ذلك- مردود عقلًا ونقلًا. أما من جهة العقل: فإن الإله يجب أن يكون واجب الوجود لذاته، فولده إما أن يكون أيضًا واجب الوجوب أو لا يكون، فإن كان واجب الوجود لذاته كان مستقلًا بنفسه، قائمًا بذاته، لا تعلق له في وجوده بالآخر، ومن كان كذلك لم يكن مولودًا البتة؛ لأنّ المولودية تشعر بالفرعية والحاجة وإن كان ذلك ممكن الوجود لذاته فحينئذ يكون وجوده بإيجاده واجب الوجود لذاته ومن كان كذلك فيكون مخلوقًا لا ولدًا فثبت أن من عرف الإله ما هو (أي مفهوم الإله وحقيقته) امتنع أن يثبت له ولد ... إلى غير ذلك من الأدلة العقلية التى ساقها إلى أن قال: فثبت بالبداهة بطلان ما ذهبت إليه النصارى (١).

وأما من جهة امتناع هذه العقيدة نقلًا فيقول العلامة البغدادي: فإذا علمت أن الولد مستحيل على الله تعالى عقلًا، فاعلم أن ذلك ممتنع نقلًا أيضًا؛ لأنّ الكتب السماوية كلها تنزه البارى سبحانه وتعالى عن ذلك حتى التوراة والإنجيل مع كونهما محرفين وما ورد فيهما مما يوهم ذلك فهو مؤل: من ذلك ما ورد في التوراة: "يقول الرب: إسرائيل ابني البكر"،

وفي صموئيل الثاني (٧/ ١٤): قال داود: "أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنًا "وفي التوراة" أن داواد ابن الله" وفي لوقا: "آدم ابن الله" وكذلك المؤمن البار أدخل تحت هذا العنوان فلا خصوصية فيه للمسيح -عليه السلام- (٢).

من خلال الجهود السابقة لعلمائنا الأجلاء في نقد عقيدة البنوة يتبين ما يلي:

١ - المقصود من البنوة في حق المسيح -عليه السلام-المعني المجازي لها وهو المحبة والطاعة والسير على تعاليم الله -عزّ وجلّ-.

٢ - النصارى يفسرون البنوة بمعناها الحقيقى وهذا مُحال على الله تعالى ولا يليق بذاته المقدسة.

٣ - وجود التعارض والتناقض في هذه العقيدة يكفي بردها وإبطالها.

٤ - مخالفة هذه الدعوى لصريح المعقول.

٥ - عدم قصر إطلاق البنوة على المسيح -عليه السلام- لأنها بالمعنى الصحيح لها -وهو المعنى المجازي- تطلق على غيره من المؤمنين الطائعين أيضًا فلم يكن في هذه اللفظة خصوصية له بالذات عن غيره من الأنبياء.

وهذه المقولة التى، يلقيها النصارى جزافًا إنما هي مجرد قول باللسان لا يغير من حقيقة الأمر شيئًا، فقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (٣).


(١) الفارق: ١٨٤ - ١٨٦، ١٩٥، بتصرف يسير.
(٢) المرجع السابق: ص ١٩٨، انظر: أرقام الإصحاحات لهذه النصوص في ص٣٣٠ من هذه الدراسة.
(٣) سورة التوبة الآية: (٣٠).

<<  <   >  >>