للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وغير هذه الأحاديث، كلّها محمولة على أنّه أمر الكاتب، ويشعر بذلك هنا: قوله في بعض طرقه. لما أمتنع الكاتب أن يمحو لفظ "محمَّد رسول الله" قال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "أَرِني" فمحاه. فإن ظاهره: أنَّه لو كان يعرف الكتابة لما احتاج إلى قوله: "أَرِني"، فكأنه أراه الموضع الّذي أبى أن يمحوه، فمحاه هو - صلى الله عليه وسلم - بيده، ثُمّ ناوله لعلي فكتب بأمره: (ابن عبد الله) بدل (رسول الله).

وأجاب بعضهم -على تقدير حمله على ظاهره-: أنه كتب ذلك اليومَ غيرَ عالِمٍ بالكتابة، ولا بتمييز حروفها، لكنه أخذ القلم بيده فخطّ به فإذا هو كتابة ظاهرة، على حسب المراد. وذهب إلى هذا القاضي أبو جعفر السّمناني (١).

وأجاب بعضهم بأنه ليس في ظاهر الحديث إلا أنه كتب محمَّد بن عبد الله، وهذا لا يمتنع أن يكتبه الأمي، كما يكتب الملوك علامتهم وهم أميون.

[فصل]

وأما الشعر فكان نظمه محرما عليه باتفاق، لكن فرق البيهقي (٢) وغيره بين الرجز وغيره من البحور، فقالوا: يجوز له قول الرّجز دون غيره. وفيه نظر؛ فإن الأكثر على أن الرجز ضرب من الشعر، وإنما ادعى أنه ليس بشعر الأخفش وأنكره ابن القطَّاع وغيره. وإنما جَرّ البيهقي لذلك ثبوت قوله - صلى الله عليه وسلم - يوم حنين: أَنَا النّبِيّ لَا كَذِبْ أَنَا ابنُ عَبدِ الْمُطَّلِبْ.


(١) هو أبو جعفر محمَّد بن أحمد بن محمَّد السمناني الحنفي قاضي الموصل، حدث عن علي بن عمر الحربي والدارقطني وجماعة، ولازم الباقلاني حتى برع في علم الكلام، قال فيه الخطيب: كان ثقة عالمًا فاضلا سخيًّا، حسن الكلام. وقال الذهبي: كان من أذكياء العالم. توفي سنة ٤٤٤ هـ انظر: تاريح بغداد (١/ ٣٥٥)، وسير أعلام النبلاء (١٧/ ٦٥١).
(٢) السنن الكبرى (٧/ ٤٣).