للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يستدرك غلطه، ولذلك عصمه الله تعالى منه، وقد بُعث بعد غيره من الأنبياء من يستدرك غلطه. وقد قيل: إنه على العموم في جميع الأنبياء، وأن نبينا وغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم في تجويز الخطأِ على سواء، إلا أنهم لا يقرّون على إمضائه، فلم يعتبر فيه استدراك من بعدهم من الأنبياء» (١).

أما الأمر الثاني من مركب الاستدلال، فهو في تقرير الدعوة إلى انتهاج هذا الاستدراك، ويُمكن تقرير ذلك من وجهين:

الوجه الأول: ضميمة قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (٢)، ففيها الأمر المتوجه إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بالاقتداء بالأنبياء (٣)، المُشار إليهم بـ {أُولَئِكَ} ... بدلالة سباق الآية، والخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - خطاب لأمته، ما لم يرد مُخصص (٤)، ولا مخصص. واستدراك خطأ الرأي بالصواب عملٌ من نبي وهو سليمان - عليه السلام - فيتوجّه الاقتداء به في ذلك، وتصحيح الخطأ غرض من أغراض الاستدراك الفقهي، وتُقاس عليه باقي الأغراض بجامع التلافي وإقامة الأمر غير المستقيم. والله أعلم.

الوجه الثاني: إن لم يكن في حكاية القصة فائدة العمل بما دلت عليه لكان في حكايتها عبثٌ يُنزّه عنه القرآن؛ فقصص الأولين عبرة لنا، قال تعالى {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} (٥)، وثمرة الاعتبار العمل. ومما دلت عليه الآية من العمل


(١) تفسير القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي، (١١/ ٣٠٩).
(٢) الأنعام: ٩٠.
(٣) يُنظر: مدارك التنزيل، (١/ ٣٧٦). و: تفسير ابن كثير، (٦/ ١٠٩).
(٤) يُراجع في هذه المسألة الأصولية: فواتح الرحموت، (١/ ٢٧٢، وما بعدها). و: نشر البنود، (١/ ١٧٩). و: البدر الطالع، (١/ ٣٥٧). و: العدة في أصول الفقه، محمد بن الحسين بن الفراء البغدادي، (١/ ٣١٨). وغيرها. وعزاه شيخ الإسلام ابن تيمية إلى جمهور علماء الأمة في: فتاويه، (٢٢/ ٣٢٢).
(٥) يوسف: ١١١.

<<  <   >  >>