للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتقضي برضى مخلوق ضعيف، فلا خير فيما تجيء به، ولا فيّ إن رضيته منك. فاستعف من ذلك، فإنه أستر لك وإلا رفعت في عزلك، فرجع ليستعفي، فعزل» (١).

النموذج الثاني:

في (تاريخ بغداد) عن «الحسن بن زياد اللؤلؤي قال: كانت ها هنا امرأة، يقال لها أم عمران مجنونة، وكانت جالسة في الكناسة (٢)، فمر بها رجل فكلمها بشيء، فقالت له: يا ابن الزانيين. وابن أبي ليلى (٣) حاضر يسمع ذلك، فقال للرجل: أدخلها على المسجد، وأقام عليها حدين: حدًّا لأبيه، وحدًّا لأمه. فبلغ ذلك أبا حنيفة، فقال: أخطأ فيها في ستة مواضع: أقام الحد في المسجد، ولا تقام الحدود في المساجد، وضربها قائمة، والنساء يضربن قعودًا، وضرب لأبيه حدًّا ولأمه حدًّا، ولو أن رجلاً قذف جماعة كان عليه حد واحد، وجمع بين حدين ولا يجمع بين حدين حتى يخف أحدُهما، والمجنونة ليس عليها حدٌّ، وحد لأبويه وهما غائبان لم يحضرا فيدعيان» (٤).

المسألة الثالثة: الاستدراك الفقهي على تصرف الحاكم، وتطبيقاته.

ذلك أن السلطان قد يتصرّف تصرُّفًا فيه خللٌ شرعًا؛ فيستدرك الفقيه ذلك على الحاكم.

والاستدراك عليه مهم؛ لما للحاكم من سلطة على الرعية، والانحراف بالسلطة عن مهمة الإصلاح وإقامة الشرع انحراف عن هدف الرعاية بالحكم.


(١) ترتيب المدارك وتقريب المسالك، (٣/ ٣٨٥).
(٢) هي القُمامة. [يُنظر: مادة (كنس) في: لسان العرب، (١٣/ ١١٨). و: القاموس المحيط، (٥١٤)].
(٣) هو: أبو عبد الرحمن، محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، الأنصاري، الكوفي، العلامة، الإمام، مفتي الكوفة وقاضيها، وكان نظيرا للإمام أبي حنيفة في الفقه، وكان قارئا للقرآن، عالما به، ولي القضاء لبني أمية ثم وليه لبني العباس وعيسى بن موسى على الكوفة وأعمالها، توفي بالكوفة سنة ١٤٨ هـ.
[يُنظر: الطبقات الكبرى، (٦/ ٣٥٨). و: سير أعلام النبلاء، (٦/ ٣١٠)].
(٤) (١٥/ ٤٨٠).

<<  <   >  >>