للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الخامس: الاستدراك على الاجتهاد في التنزيل، وتطبيقاته.

والمقصود بالتنزيل هنا هو تحقيق المناط الذي هو تطبيق كليات الأحكام على جزئيات الحوادث (١).

والمقصود بهذا النوع: تلافي خلل في تعيين محل الحكم، بعمل فقهي؛ لإنشاء نفع أو تكميله في نظر المتلافي.

فقد يَسْلم الدليل والاستدلال به وتأويله وتعليله، ولكن يبقى كل ذلك معلّقًا حتى يجد واقعًا مناسبًا له من حيث الزمان والمكان والإنسان.

وفائدته أن الاستدراك على تنزيل الأحكام على غير واقعها عمل عظيم، يُذب به عن الشريعة ما توصف به من الجمود والتأخر، ويُوقف به تعطيل الشريعة عن مقاصدها في مصالح العباد.

جاء في (إعلام الموقعين) في شأن تغير الفتوى بالواقع: «هذا فصل عظيم النفع جدًّا، وقع بسبب الجهل به غلطٌ عظيمٌ على الشريعة، أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به» (٢).

وفي (الفروق) توجيهٌ إلى النظر في محل الحكم قبل تنزيله: «وَلَا تَجْمُدْ عَلَى الْمَسْطُورِ فِي الْكُتُبِ طُولَ عُمْرِك، بَلْ إذَا جَاءَك رَجُلٌ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ إقْلِيمِك يَسْتَفْتِيك لَا تجرِه عَلَى عُرْفِ بَلَدِك، وَاسْأَلْهُ عَنْ عُرْفِ بَلَدِهِ، وأجره عَلَيْهِ، وَأَفْتِهِ بِهِ دُونَ عُرْفِ بَلَدِك وَالْمُقَرَّرِ فِي كُتُبِك، فَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْوَاضِحُ، وَالْجُمُودُ عَلَى الْمَنْقُولَاتِ أَبَدًا ضَلَالٌ فِي الدِّينِ وَجَهْلٌ بِمَقَاصِدِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَالسَّلَفِ الْمَاضِينَ» (٣).


(١) وهو غير تحقيق مناط العلة، بل هو ما عبّر الشاطبي عن الاجتهاد فيه بقوله: «أن يثبت الحكم بمُدركه، لكن يبقى النظر في تعيين محله». [الموافقات، (٤/ ٤٦٤)].
(٢) إعلام الموقعين عن رب العالمين، محمد بن قيم الجوزية، (٢/ ١٣).
(٣) مع إدرار الشروق وتهذيب الفروق، (١/ ٣٢٢).

<<  <   >  >>