للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي (تفسير القرطبي): في مسألة إتيان النساء من الدبر: «قال مالك لابن وهب وعلي بن زياد (١) - لما أخبراه أن ناسًا بمصر يتحدثون عنه أنه يُجيز ذلك، وبادر إلى تكذيب الناقل، فقال: كذبوا عليّ، كذبوا عليّ، كذبوا عليّ! ثم قال: ألستم عربًا؟ ! ألم يقل الله تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} (٢)؟ وهل يكون الحرث إلا في موضع المنبت؟ ! » (٣).

فاستدرك مالك على الدعوى بمعيار اللغة، حيث رجع إلى معنى كلمة {حَرْثٌ} في اللغة، وأنكر بقوله: «ألستم عربًا؟ ! » مُخالفةَ المقرر في معاني العرب لهذه الكلمة.

النموذج الرابع: التعيير بعلم المنطق.

وعلم المنطق: «قانون، تعصم مراعاتُه الذهنَ عن الخطأ في فكره» (٤).

وهو معيار يتداخل كثيرًا مع قواعد أصول الفقه، ومنه تتكون المقدمة المنطقية في علم الأصول، ولكن لمّا كان علمًا مستقلاًّ بالتأليف آثرتُ مناقشته باستقلال؛ مراعاةً لواقع التقسيم في العلوم.

قال الغزالي في اعتبار التعيير به: «فلما كثر في المعقولات مزلة الأقدام، ومثارات الضلال، ولم تنفك مرآة العقل عما يكدرها من تخليطات الأوهام، وتلبيسات الخيال، رتبنا هذا الكتاب معيارًا للنظر والاعتبار، وميزانًا للبحث والافتكار، وصيقلًا للذهن،


(١) هو: أبو الحسن، علي بن زياد التونسي العبسي، من الطبقة الأولى من أصحاب مالك من أهل إفريقية، وهو مرجع الفتوى فيها، وهو أول من أدخل الموطأ المغرب، سمع من مالك والثوري والليث بن سعد وغيرهم. سمع منه البهلول بن راشد وشجرة وأسد بن الفرات وسحنون وغيرهم. روى عن مالك الموطأ وكتباً، توفي سنة ١٨٣ هـ.
[يُنظر: الديباج المذهب مع نيل الابتهاج، (١٩٢). و: شجرة النور الزكية، (١/ ٦٠)]
(٢) البقرة: ٢٢٣
(٣) (٤/ ١٠).
(٤) إيضاح المبهم من معاني السلم للدمنهوري مع شرح الأخضري، (٤). ويُنظر: شرح القويسي على السلم مع تقريرات الدوري، (٧).

<<  <   >  >>