للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بين معايير الاستدراك الفقهي ومناهجه علاقة وثيقة؛ لأن معايير الاستدراك الفقهي هي التي تُحدد طبيعة منهج الاستدراك؛ لذا رأيتُ التعريف بالمعايير قبل المناهج.

تمهيد: تعريف معايير الاستدراك الفقهي.

المعايير جمع معيار.

والمعيار في اللغة من (عايَرَ)، والعِيارُ والمِعيارُ بمعنى واحد، وهو ما عايَرْتَ به المَكَايِيلَ، فالعِيَارُ صَحِيحٌ تامّ وَافٍ. تَقُول: عايَرْتُ به، أَي سَوَّيْتُه، وتقول: عَيَّرْتُ الدنانير، بمعنى أَن تُلْقِي ديناراً ديناراً فتُوازِنَ به ديناراً ديناراً، وكذلك عَيَّرْت تعييراً، إِذا وَزَنْت واحداً واحداً (١).

فحاصل المعنى أنّ المعيار هو ما يُرجع إليه في التقدير.

والمقصود به هنا: أصولٌ يَرجع إليها المُستدرِك لتقييمِ المُستدرَك عليه، والحُكمِ عليه.

لم يكن الفقهاء يستدركون بلا معايير يُحتكم إليها، بل كانت تجري استدراكاتهم - بتنوّع صورها - على أصول. قال ابن خلدون: «وجرت بينهم المناظرات في تصحيح كل منهم مذهب إمامه، تجري على أصول صحيحة، وطرائق قويمة، يحتج بها كل على صحة مذهبه الذي قلّده وتمسك به» (٢).

وكان الفقهاء يرفضون الدعاوى التي تلبس لبوس الاستدراك؛ لأنها غير مبيّنة ولا معيّرة، وفي ذلك يروي الخطيب بسنده عن عبد الله بن الحسن الهسنجاني (٣) أنه قال:


(١) يُنظر: مادة (عير)، في: الصحاح، (٢/ ٧٦٤). و: لسان العرب، (١٠/ ٣٥٠). و: تاج العروس، (١٣/ ١٦٥).
(٢) مقدمة ابن خلدون، (١/ ٥٧٨).
(٣) هو: أبو محمد، عبد الله بن الحسن، الهسنجاني الرازي، روى عن إسماعيل بن عمر الواسطي وحسين الجعفي ومحمد بن بشر العبدي والفريابي، وغيرهم، وروى عنه أبو زرعة ومحمد بن مسلم. صدوق.
[يُنظر: الجرح والتعديل، عبد الرحمن بن أبي حاتم الرازي، (٥/ ٣٤)].

<<  <   >  >>