للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد يلتقي المظهران في نموذج واحد إذ قد تكون مخالفةُ المتصوف مخالفةً بدعيةً.

وأعرض هنا نماذج لهذا المجال بعامة، ولهذين المظهرين بخاصة.

النموذج الأول: الاستدراك على التشديد على النفس في العبادة.

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: «قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -: يَا عَبْدَ اللَّهِ! أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ؟ فَقُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ: فَلَا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ؛ فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْرِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ بِحَسْبِكَ أَنْ تَصُومَ كُلَّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنَّ لَكَ بِكُلِّ حَسَنَةٍ عَشْرَ أَمْثَالِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ صِيَامُ الدَّهْرِ كُلِّهِ. فَشَدَّدْتُ فَشُدِّدَ عَلَيَّ. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي أَجِدُ قُوَّةً. قَالَ: فَصُمْ صِيَامَ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَام - وَلَا تَزِدْ عَلَيْهِ. قُلْتُ: وَمَا كَانَ صِيَامُ نَبِيِّ اللَّهِ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلَام -؟ قَالَ: نِصْفَ الدَّهْرِ. فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقُولُ بَعْدَ مَا كَبِرَ: يَا لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم -» (١).

النموذج الثاني: الاستدراك على جهل العوام بضروري الدين.

قال صاحب (الفكر السامي) عن الأمير أبي عبد الله سيدي محمد بن عبد الله بن إسماعيل: «جال بنفسه في المغرب، وتقرّى قبائله، وعرف دخائله، وأيقن أن الدين قد كاد أن يذهب من أهله باستيلاء الجهل على بطونه وقبائله، فألف لهم تأليفًا على نسق (رسالة ابن أبي زيد)؛ تسهيلاً على العوام؛ ليصلوا من ضروريات دينهم إلى المرام» (٢).

النموذج الثالث: الاستدراك على مفاهيم خاطئة في العبادات القلبية.

في (تلبيس إبليس): «وقد لبّس (٣) على قوم يدعون التوكل فخرجوا (٤) بلا زاد وظنوا أن هذا هو التوكل، وهو على غاية الخطأ» (٥).


(١) صحيح البخاري، (٣/ ٣٩)، ك الصوم، ب حق الجسم في الصوم، رقم (١٩٧٥).
(٢) (٤/ ١٢٦).
(٣) أي إبليس.
(٤) أي إلى الحج.
(٥) (١٤١).

<<  <   >  >>