للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الثالث: استدراك الفقيه على مخالف له في المذهب، وتطبيقاته.

صورته: أن يعمل فقيه عملاً فقهيًّا، فيرى فقيه آخر من غير مذهبه أن في عمله خللاً، فيتلافاه بعمل فقهي آخر.

وفائدته: التقريب بين المذاهب الفقهية، وتوسيع مجال النظر في الأدلة نصوصًا، ووجوهَ دلالة.

وهذا النوع علينا تصوّره في الجانب الإيجابي، وليس الجانب السلبي له، ذلك أن المقصود هنا هو الاستدراك بالمعايير المعتبرة له، والذي يهدف إلى الوصول للحق، فالفقيه المُتبع للدليل يستدرك بما توصل إليه اجتهاده من فهم للدليل، سواء على مذهبه أو على مذهب غيره، كما أنه يأخذ الحق أينما وجده في مذهبه أو في مذهب غيره، ويكون المقصود الأول في هذا وذاك النصيحة لله ولرسوله وللمسلمين، وليس الانتصار لطائفة وتبكيت طائفة.

وهذا النوع من الاستدراك طريق قويم في التوفيق بين المذاهب وتقاربها، وصورة شاهدة على استعمال الاختلاف في استهداف الائتلاف، ولا يكون كذلك إلا بالبعد عن حمية الانتماء المذهبي الضيق، إلى حمية الانتماء للحق الأرحب، الذي لا يختص به مذهب دون مذهب، وفي هذا السياق يقول القرافي (١):

«وقد آثرت التنبيه على مذاهب المخالفين لنا من الأئمة الثلاثة - رحمهم الله -، ومآخذهم في كثير من المسائل، تكميلاً للفائدة، ومزيدًا في الاطلاع، فإن الحق ليس محصورًا في جهة، فيعلم الفقيه أي المذهبين أقرب للتقوى، وأعلق بالسبب الأقوى» (٢). وكأني به يُشير بقوله: «فيعلم الفقيه


(١) هو: أبو العباس، أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن، شهاب الدين الصنهاجي القرافي، المالكي، مصري المولد والمنشأ والوفاة، وكان مع تبحره في عدة فنون، من البارعين في عمل التماثيل المتحركة في الآلات الفلكية وغيرها، من مؤلفاته: أنوار البروق في أنواء الفروق، الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام وتصرف القاضي والإمام، وشرح تنقيح الفصول. توفي سنة ٦٨٤ هـ.

[الديباج المذهب مع نيل الابتهاج، (٦٢). و: الأعلام، (١/ ٩٤)].
(٢) الذخيرة، (١/ ٣٧ - ٣٨).

<<  <   >  >>