للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

النموذج الثالث: الاستدراك على سيئات الأخلاق المُصاحبة للجدل والمناظرة.

وقد عد صاحب (الإحياء) منها الكبر والحقد والحسد وتزكية النفس والغيبة والثناء على النفس وتتبع العثرات والفرح لمساءة المسلمين والغم لمسارّهم، والنفاق، والاستكبار عن الحق وكراهته، والمماراة، والرياء، وقال: «سوى ما يتفق لغير المتماسكين منهم من الخصام المؤدي إلى الضرب واللكم واللطم وتمزيق الثياب والأخذ باللحى وسب الوالدين وشتم الأستاذين والقذف الصريح» (١).

واستدرك على كل خلق من هذه الأخلاق بالعقل والنقل، ومن ذلك قوله: «فأين الاستئناس والاسترواح الذي كان يجري بين علماء الدين عند اللقاء، وما نقل عنهم من المؤاخاة والتناصر والتساهم في السراء؟ ! » (٢).

المسألة السادسة: الاستدراك الفقهي على مظاهر اجتماعية وسلوكيات عامة أخرى، وتطبيقاته.

لما كانت وظيفة الفقهاء تعليم الناس وتفقيههم في حكم الله ومُراده من خلقه؛ لم يقف ذلك على مواضع الدرس الفقهي بل تعداه إلى الواقع المَعيش بكل أطيافه، فاستدركوا على مظاهر وسلوكيات في مجتمعاتهم التي عاشوا فيها تُخل بالالتزام المطلوب بأحكام الله تعالى، وهذه المسألة وإن كانت تلتقي مع ما قبلها في الكلام عن الاستدراك على الأخلاقيات، إلا أني آثرت تمييزها لتتجلى صورة التنوع الاستدراكي الفقهي لدى القارئ، وأن الفقهاء لم يكونوا بمعزل عما يدور في مجتمعاتهم مما لا يُرى داخل الدرس الفقهي.

ويُمكن القول بأن مظاهر هذا النوع تجتمع في هدف رد الناس إلى الوسطية والجادة، بالاستدراك عليهم في مسالك الغلو والتنطع، ومسالك التساهل والانفلات، في مجال العبادات والمعاملات، قد تُجمَل في أقوال جامعة كما نقل صاحب (تلبيس


(١) (١/ ٤٧).
(٢) السابق، (١/ ٤٦). ويُنظر: تلبيس إبليس، (١١٧).

<<  <   >  >>