للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المطلب الخامس: الاستدراك على شخص مقدَّر، وتطبيقاته.

صورته: أن يُقدّر الفقيه شخصًا عاملاً عملاً يشتمل على ما يقتضي الاستدراك، فيصور عمله وما يُستدرك به عليه.

ويُحكى هذا الاستدراك بصيغة الجملة الشرطية مثل (فإن قال قائل: ... ) ومثيلاتها. أو (إن فعل إنسان كذا ... ) ومثلها.

وفائدته: هو تدارُكٌ للأمر قبل وقوعه؛ لأنه إذا وقع قد يصعُب إزالته، وهو تهيئةٌ للمستفيد لمواجهة ما قد يرد عليه من إشكالات قد يحارُ في الجواب عنها، فيُعطيه الفقيه من خبرته التي حصّلها من ممارسة النظر والاستدلال والترجيح والفتوى ومعرفته بالواقع ... ما يُعِدّه للتصدي للإيرادات، ولإكمال المسيرة فيبدأ من حيث انتهى الآخرون.

ومن ناحية أخرى يستعمله الفقهاء لإيضاح قاعدة أو تأصيل ونحو ذلك، حيث يقدّرون سقوط أمر جزئي أو كلي في صورة مقدّرة ليسهل وضوح أثر هذا السقوط.

كما فيه من الأدب عدم التصريح الموجب للتعيير، وتجنب المواجهة المباشرة مع الخصم، فقد يكون هذا الشخص المقدّر هو واقع حقيقة، ولكن يصوغ الفقيه المسألة بصيغة التقدير؛ طلبًا لسلامة المقصد، وحفظ العِرض.

من تطبيقاته:

ما في (صحيح البخاري) بسنده: «عن أبي شُريح أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ - وَهُوَ يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ -: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا الْأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلًا قَامَ بِهِ النبي - صلى الله عليه وسلم - الْغَدَ مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ، سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ، وَوَعَاهُ قَلْبِي، وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، حَمِدَ الله، وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا الله، وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ، فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِالله وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلَا يَعْضِدَ بِهَا شَجَرَةً، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فِيهَا فَقُولُوا: إِنَّ الله قَدْ أَذِنَ لِرسولهِ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ. وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ثُمَّ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ كَحُرْمَتِهَا بِالْأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ. فَقِيلَ لِأَبِي شُرَيْحٍ: مَا قَالَ عَمْرٌو؟ قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ مِنْكَ يَا أَبَا شُرَيْحٍ، لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، وَلَا فَارًّا بِدَمٍ، وَلَا فَارًّا بِخَرْبَةٍ» (١).


(١) (١/ ٣٢)، ك العلم، ب ليبلغ العلم الشاهد الغائب، رقم (٣٧).
والخربة: «أصلها العيب، والمراد بها ها هنا الذي يفرّ بشيء يريد أن ينفرد به ويغلب عليه ما لا تجيزه الشريعة». [النهاية في غريب الحديث والأثر، (٢/ ١٧)].

<<  <   >  >>