للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الخامس: معيار المبادئ العقلية المسلّمة، وتطبيقاته.

وأقصد بالمبادئ العقلية المسلمة: الأدلة العقلية العامة الضرورية، البدهي منها والحسي (١).

فإذا تقرر أنه لا تعارض بين العقل الصحيح والنص الصريح، فإن المبادئ العقلية المسلّمة، تثبُت معيارًا على ما خالفها.

ومن تطبيقات التعيير بالمبادئ العقلية المسلمة:

حكى ابن حزم أنه نسب إلى ابن القاسم أنه قال: «كفى بقول مالك حجة، ولو رأيت مالكًا لاستعظمتُ مخالفته». واستدرك على نسبة هذا القول إلى ابن القاسم مُستدلاًّ بمناقضة هذا القول لما وقع فعلاً من ابن القاسم من مخالفة مالك قائلاً: «على أنه قد روي عنه أنه خالفه في نيف وثلاثين مسألة، وإن كانوا يروون أنه قال: ما خالفتُ مالكًا إلا بمالك. وهذا أيضًا فاسد من القول جدًّا؛ لأن المسائل التي خالفه فيها لولا أنه استحق الخلاف عنده ما خالفه؛ لأنه لا يجوز لمسلم خلاف ما لا يحل عنده خلافه، فعلى كل حال قد استجاز ابن القاسم مخالفة مالك، ولم يستعظمها كما يحكي هؤلاء» (٢).

فالمعيار العقلي هنا هو ثبوت التناقض بين المنسوب إلى ابن القاسم وبين واقع فعله، مما يدل على عدم صحة هذه النسبة إليه.

وحكى المازري موقف المذهب المالكي من دلالة الرضاع على الحياة قائلاً: «وقد اضطرب المذهب في الحركة والرضاع والعطاس». وعلّق قائلاً: «وأما الرضاع فلا معنى لإنكار دلالته على الحياة؛ لأنا نعلم يقينًا أنه محال في العادة أن يرضع الميت،


(١) العلم الضروري ينقسم إلى قسمين: بدهي وحسي، فالبدهي: هو ما يتوصل إليه العقل من غير احتياج إلى فكر وتدبر، كالعلم بأن الجزء أقل من الكل. أما الحسي فهو: ما يُدرك من جهة الحواس. [يُنظر: إحكام الفصول، (١/ ١٧٤). و: الإحكام، الآمدي، (١/ ١٢)].
(٢) الرسالة الباهرة، علي بن حزم الأندلسي، (٨).

<<  <   >  >>