للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم قال له: اذهب إلى الفارسي - يعني ابن فروخ (١) - فسلْه. فذهب إليه فسأله، فأجابه بمثل قول بهلول، فانصرف إلى بهلول فسأله فيها أيضًا، فقال: ألم أدلك على ابن فروخ؟ قال: بلى، وقد أجابني. قال بهلول: فلعلك تفضل بعض الناس على بعض؟ - يريد نفسه - والله لو كانت للذنوب رائحة ما جلست إليّ ولا جلست إليك. وقال: ابن فروخ الدرهم الجيد، وأنا الدرهم الستوق (٢)» (٣).

المسألة الثانية: الاستدراك الفقهي على التصرف في القضاء، وتطبيقاته.

والمقصود بالاستدراك الفقهي على القضاء هنا باعتباره صناعة يلزم بها التنفيذ، وليس باعتباره قضية فقهية؛ لأن هذا الاعتبار الأخير يشترك فيه القضاء مع باقي القضايا الفقهية، وقد نوقشت أوجه الاستدراك الفقهي عليها في مباحث سابقة.

ولما في القضاء من إلزام كانت الحاجة في الاستدراك على خلله أشدّ؛ لئلا تُعطى الحقوق لغير أصحابها، ولئلا يُعاقب البريء، ويُثاب الظالم.

قال صاحب (الفكر السامي) داعيًا إلى استدراك الجمود في الأحكام القضائية: «إنه يتعين على الأمة الإسلامية تهيئة رجال مجتهدين، وهو أمر متيسر؛ ليكونوا عونًا على تحسين القضاء والأحكام وسن الضوابط والقوانين النافعة المطابقة للشريعة المطهرة


(١) هو: أبو محمد، عبد الله بن فروخ الفارسي، فقيه القيروان في وقته، من العلماء بالحديث، رحل إلى المشرق فلقي جماعة من العلماء والمحدثين، كزكريا بن أبي زائدة، وهشام بن حسان، وعبد الملك بن جريج، والأعمش والثوري ومالك بن أنس، وأبي حنيفة وغيرهم. فسمع منهم وتفقه بهم. وكان يكاتب مالك بن أنس في المسائل ويجاوبه مالك. له: ديوان يعرف باسمه، جمع فيه مسموعاته وسؤالاته للإمامين أبي حنيفة ومالك، وكتاب في الرد على أهل البدع والأهواء. توفي سنة ١٧٦ هـ.
[يُنظر: ترتيب المدارك، (٣/ ١٠٢). و: الأعلام، (٤/ ١١٢)]
(٢) «الستوق: لفظ معرب، واحدها ستوقة، دراهم مغشوشة غلبت فيها المعادن الرخيصة على النفيسة، وقد تطلى بالفضة». [معجم لغة الفقهاء، (٢٤١)].
(٣) (٣/ ٩٣).

<<  <   >  >>