والمقصود بهذا التنويع النظر إلى الاستدراك الفقهي من جهة ارتباطه بالأفعال المُستدرَك عليها فقهيًّا، فالمُستدرَك عليه هنا مُتعلَّق حسّي.
وتمظهر التنويع بهذا الاعتبار في عدة مظاهر، تحصّل لي منها المسائل التالية:
المسألة الأولى: الاستدراك الفقهي على التصرف في الفتوى والاستفتاء، وتطبيقاته.
والمقصود بالاستدراك الفقهي على الفتوى هنا هو باعتبارها صناعة، وليس باعتبارها قضية فقهية تتكون من موضوع ومحمول؛ لأن هذا الاعتبار الأخير تشترك فيه الفتوى مع باقي القضايا الفقهية، وقد نوقشت أوجه الاستدراك الفقهي عليها في مباحث سابقة.
وكذلك الاستدراك على الاستفتاء المقصود به تلافي الخلل في منهجيته.
وقد دعا الفقهاء إلى الاستدراك الفقهي على الفتوى باعتبارها صناعةً، بتلافي خلل المنهجية في إصدارها وتطبيقها.
من ذلك أنّ الباجي حدّث أنه أُخبر عن فقيه كبير اشتهر بالحفظ والتقدم أنه كان يقول مُعلنًا من غير تستر: إن الذي لصديقي عليَّ إذا وقعت له حكومة أن أفتيه بالرواية التي توافقه. وحكى قصة فيها هذا المنهج في الإفتاء.
قال الباجيّ: لو كان تكرر عليهم إنكار الفقهاء لمثل هذا لما طولبوا به، ولا طلبوه مني ولا من سواي، وهذا مما لا خلاف فيه بين المسلمين ممن يعتد به في الإجماع أنه لا يجوز ولا يسوغ لأحد أن يفتي في دين الله إلا بالحق الذي يعتقد أنه حق، رضي بذلك من رضيه، وسخطه من سخطه (١).
ومن ذلك قول صاحب (صناعة الفتوى وفقه الأقليات): «وما أحوجنا في هذا الأوان لضبط الفتاوى، التي تراوحت بين شدّة في غير موضعها، وسهولة في غير محلها؛ فاستحالت السهولة إلى تساهل، والشدة إلى غلو وتنطع، وإنما ذلك ناشئ عن عدم