للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

جمهور الصحابة لديهم، فتظهر السنة، ويعتمدونها، فيضمحلّ الخلاف، ويعلم ذلك بتتبع كتب الصحاح وممارسة كتب الفقه القديمة» (١).

ويُسجّل هنا أن قاعدة الشورى في الأحكام الفقهية تميزت في تطبيقها مدرسة أبي حنيفة وطلابه، فلم يكن الإمام يستبد بالرأي عند ورود المسائل لديه، بل كان يعرض المسألة على تلاميذه، وكان يدلي كلٌّ منهم برأيه، ثم هو يُناقش ويُعقِّب فيبين الصواب بالعقل والنقل (٢). وهو منهج مناسب لطبيعة تلاميذه؛ لأن منهم اللغوي ومنهم المحدث ومنهم القاضي ومنهم المفتي.

وكان أصحابه يخوضون معه في المسألة، فإذا لم يحضر عافية (٣) قال أبو حنيفة: لا ترفعوا المسألة حتى يحضر عافية! فإذا حضر عافية ووافقهم قال أبو حنيفة: أثبتوها. وإن لم يوافقهم قال: لا تثبتوها (٤).

- مبدأ التفكر والتدبر.

وهو مبدأ دعا إليه الشرع في كثير من النصوص، وحقيقٌ تطبيقه في الأعمال الفقهية، وهو مبدأ يقتضي النظر النقدي والاستدراكي.


(١) الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، (٢/ ٤٨).
(٢) ينظر: أبو حنيفة حياته وعصره آراؤه وفقهه، محمد أبو زهرة، (٨٧).
(٣) هو عافية بن يزيد بن قيس بن عافية بن شداد بن ثمامة الأودي الكوفي القاضي، ولاه أمير المؤمنين المهدي القضاء ببغداد في الجانب الشرقي، استعفى من القضاء، وقيل: سبب تركه القضاء أنه تثبت في حكم، فأهدى له الخصم رطبا، فرده وزجره، فلما حاكم خصمه من الغد، قال عافية: لم يستويا في قلبي. ثم حكاها للخليفة، وقال: هذا حالي وما قبلت، فكيف لو قبلت؟ ! فأعفاه. توفي سنة نيف وستين ومئة.
[يُنظر: تاريخ بغداد، (١٤/ ٢٥٤). و: سير أعلام النبلاء، (٧/ ٣٩٨). و: تهذيب الكمال، (١٤/ ٥).].
(٤) يُنظر: أخبار أبي حنيفة وأصحابه، حسين بن علي الصيمري، (١٥٦). تاريخ بغداد، (١٤/ ٢٥٥).

<<  <   >  >>