للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والأصل الأول هو المناسب للمعنى الاصطلاحي للتعقُّب والتعقيب، وهما - في الاصطلاح - يستهدفان الكلام المقول أو المؤلَّف. وتخريج معناهما على الأصل الأول أشارت إليه المعاجم، فقولُك: لم أجد عن قولك مُتعَقّبًا، أي رجوعًا أنظر فيه، أي لم أُرخّص لنفسي التعقُّب فيه لأنظر آتيه أم أدعه. وبمعنى لم أجد متفحّصًا، أي أن القول من السداد والصحة بحيث لا يحتاج إلى تعقُّب (١).

المسألة الثانية: حقيقة التعقّب والتعقيب اصطلاحًا.

أطلق في (التوقيف) معنى التعقيب بقوله: «التعقيب: أي يأتي بشيء بعد آخر» (٢). فهو معنى لا يخرج عن الحقيقة اللغوية في أصل المادة. أما في (معجم لغة الفقهاء) فقد راعى الحقيقة العرفية في التعقُّب والتعقيب، وفرّق بين المصطلحين، فعرف (التعقُّبَ) بأنه: «التتبع لإظهار الخطأ أو الخلل» (٣)، و (التعقيبَ) بأنه: «ما يُثبتُه بعد التتبع» وهو «إصلاح الخطأ أو سد الخلل» (٤). وعليه فالتعقّب هو العملية البحثية، والتعقيب هو إثبات نتائجها. وعلى هذا جرى كلام الفقهاء في استعمال اللفظين، ويُطلقون التعَقُّب على التعقيب، من باب تسمية الشيء بلازمه.

مثاله ما في (رد المحتار): «قوله (٥): (وأما وصي الميت فلا أجر له على الصحيح) تعقَّبه الرملي (٦)

في فتاواه بما مر عن (جامع الفصولين) من أن الوصي لا يأكل من مال اليتيم ولو محتاجًا، إلا إذا كان له أجرة فيأكل قدرها» (٧).


(١) يُنظر مادة (عقب) في: تهذيب اللغة، (١/ ٢٨٠). و: أساس البلاغة، (١/ ٦٦٧).
(٢) (١٨٨).
(٣) (١٣٦).
(٤) (١٣٦).
(٥) أي صاحب الدر المختار
(٦) هو: خير الدين بن أحمد بن علي، الأيوبي، العليمي، الفاروقي، فقيه، باحث، له نظم.
من أهل الرملة بفلسطين، ولد ومات فيها، رحل إلى مصر ومكث في الأزهر ست سنين، وعاد إلى بلده، فأفتى ودرس إلى أن توفي. أشهر كتبه: الفتاوي الخيرية، مظهر الحقائق حاشية على البحر الرائق في فقه الحنفية، ووله ديوان شعر. توفي سنة ١٠٨١ هـ.

[يُنظر: الأعلام، (٢/ ٣٢٧)].
(٧) (١٠/ ٤٢٦ - ٤٢٧).

<<  <   >  >>