للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

«كنت بمصر، فرأيت قاضيًا لهم في المسجد الجامع، وأنا ممراض، فسمعت القاضي يقول: مساكين أهل الحديث، لا يحسنون الفقه. فحبوْتُ إليه، فقلت له: اختلف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في جراحات الرجال والنساء، فأي شيء قال علي بن أبي طالب؟ وأي شيء قال زيد بن ثابت؟ وأي شيء قال عبد الله بن مسعود؟ فأفحم. قال عبد الله: زعمت أن أصحاب الحديث لا يحسنون الفقه، وأنا من أخس أصحاب الحديث، سألتك عن هذه فلم تحسنها، فكيف تنكر على قوم أنهم لا يحسنون شيئًا وأنت لا تحسنه؟ » (١).

وكان الفقهاء يحرصون على تعليم طلابهم معايير الاستدراك. قال العز بن عبد السلام: «ما علمنا قواعد البحث إلا من سيف الدين الآمدي (٢)» (٣). والاستدراك من قبيل البحث والمباحثة.

فإن قيل: كيف يُستدرَك على المستدرك ما دام يُراعي المعايير في استدراكه؟

فالجواب أن ذلك يأتي من جهتين:

الجهة الأولى: ألاّ يوافق المُستدرَك عليه بالتعيير بما عيّر به المستدرِك.

الجهة الثانية: أن يتفق الطرفان على التعيير بذات المعيار؛ ولكن لا يوافق المستدرَك عليه في إجرائه وكيفية استعماله في المسألة محل النقاش.


(١) شرف أصحاب الحديث لأحمد بن علي بن ثابت المعروف بالخطيب البغدادي مع نصيحة أهل الحديث له، (٢/ ١٤٢ - ١٤٣).
(٢) هو: أبو الحسن، علي بن أبي علي بن محمد بن سالم الثعلبي، الآمدي، سيف الدين، الإمام الأصولي المتكلم، تفقه على أبي الفتح ابن المني الحنبلي وسمع الحديث من أبي الفتح بن شاتيل ثم انتقل إلى مذهب الشافعي وصحب أبا القاسم بن فضلان وبرع عليه في الخلاف، له: كتاب الأبكار في أصول الدين، والإحكام في أصول الفقه، والمنتهى ومنائح القرائح، وغيرها. توفي سنة ٦٣١ هـ.

[يُنظر: سير أعلام النبلاء - (٢٢/ ٣٦٤). و: طبقات الشافعية الكبرى، (٨/ ٣٠٦)].
(٣) طبقات الشافعية الكبرى، (٨/ ٣٠٧).

<<  <   >  >>