لئن كانت الاستدراكات الفقهية تتنوع تنوّعًا كثيرًا فإنه يمكن حصر اعتبارات تنوعها حصرًا منطقيًّا يوافقه الواقع العملي، فإن اتّبعتُ طريقة المُحدّثين في النقد وطبّقتُها على واقع النقد الفقهي قلتُ: إن الاستدراك الفقهي على ثلاثة أنواع:
١ - استدراك على متن القضية الفقهية، وهو يقابل نقد المحدثين متنَ الخبر، وهو يشمل الاستدراك على موضوع القضية الفقهية، ومحمولها، والاستدلال لها، ودليلها، وصياغتها ...
٢ - استدراك على نسبة القضية الفقهية، وهو يقابل نقد المحدثين سند الخبر، وهو يشمل النسبة إلى الإجماع، أو المعتمد، أو الراجح، أو المشهور، أو إلى اتفاق، أو مذهب، أو فقيه، أو كتاب ...
٣ - استدراك على التأليف، بالتهذيب والتنقيح، ونحوهما مما فيه تلافٍ، وهو منهج مُتّبَعٌ عند المحدثين والفقهاء كما تبيَّن في المبحث الثاني من الفصل الأول من هذا الباب.
وهذا المنهج مع منطقيته وواقعيته وفائدته في الربط بين العلوم الإسلامية، إلا أني رأيتُ في اتباعه حَشْرًا لاعتبارات في الاستدراك الفقهي تمييزُها بعنوان يخصُّها أفضل وأيسر في التناول من ذكرها مع قَبِيلٍ آخر من الأنواع تحت عنوان كبير لا يُميّزُها. واعتبرتُ في ذلك أربع نواحٍ:
١ - ناحية من استُدرك عليه (١).
٢ - ناحية أركان القضية الفقهية.
٣ - ناحية وجوه الاجتهاد الكلية في المسألة.
٤ - ناحية جنس مُتعلّق الاستدراك الفقهي.
وهي - مع شمولها للاعتبارات السابقة - نواحٍ تُبرِز خاصية الاستدراك الفقهي عن غيره من الاستدراكات في العلوم الأخرى، وهو هدف رئيس لهذا البحث، إذ لو كانت
(١) وفضلتُ التعبير بـ (من استُدرك عليه) على (المستدرَك عليه)؛ لأن الثاني مجمل بين العمل وعامله، أما الأول فلا يُطلق إلا على العامل، وهو المراد هنا.