للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تحليل الاستدراك:

استدركت عائشة - رضي الله عنها - على عروة تنزيله حكمَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في فاطمة بنت قيس على حادثة بنت الحكم؛ لاختلاف حال الأشخاص في الحادثتين، ورأت أنّ عدم السكنى لفاطمة ليس لبتّ طلاقها، وإنما لأنها كانت تسكن بيتًا موحِشًا خاليًا لا أنيس فيه، فخيف عليها البقاء فيه، وعليه فلا يُنزّل حُكمها على حادثة بنت الحكم.

النموذج الثالث:

قال ابن القيم (١): «وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه ونور ضريحه - يقول: مررت أنا وبعضُ أصحابي في زمن التتار بقوم منهم يشربون الخمر، فأنكر عليهم من كان معي، فأنكرتُ عليه، وقلت له: إنما حرم الله الخمر لأنها تصد عن ذكر الله وعن الصلاة، وهؤلاء يصدهم الخمر عن قتل النفوس وسبي الذرية وأخذ الأموال، فدَعْهُم» (٢).

تحليل الاستدراك:

استدرك ابن تيمية على من أنكر على قوم من التتار يشربون الخمر؛ لغفلة المُنكِر عن حال الشخص المُنزّل عليه الحكم، فإن هؤلاء القوم الشاربين ناس سوء وإفساد، فشُرب الخمر يُقلل من إفسادهم، فهو أولى من ترك الشُّرب، فالمصلحة هي في عدم الإنكار عليهم، وإن كانت المصلحة هي في الإنكار على غيرهم.


(١) هو: أَبُو عبد الله، مُحَمَّد بن أبي بكر بن أَيُّوب، الزرعي ثمَّ الدِّمَشْقِي، ابْن قيم الجوزية، شمس الدّين، الأصولي الْمُفَسّر النَّحْوِيّ، لازم الشَّيْخ تَقِيّ الدّين، له اعتناء بِعلم الحَدِيث والنحو وَعلم الْكَلَام والسلوك، له: تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته والكلام على ما فيه من الأحاديث المعلولة، وسفر الهجرتين وباب السعادتين، زاد المعاد في هدى خير العباد، وغيرها. توفي سنة ٧٥١ هـ.
[يُنظر: المقصد الأرشد، (٢/ ٣٨٤). و: شذرات الذهب، (٦/ ١٦٧)].
(٢) إعلام الموقعين، (٢/ ١٥)

<<  <   >  >>