للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد توجهت أنظار الفقهاء إلى توجيه الأقوال؛ لإظهار مستندها، لأن القول بدون مستند يبقى دعوى تحتاج إلى التأييد، كما أنهم اهتموا ببيان منشأ الخلاف عند وقوعه؛ ليتبين للناظر مُدرك الأقوال.

إن هذا التوجيه عُرضة للاستدراك؛ ضرورةَ تباينِ الرؤى، وتفاوتِ الاطلاع والملكاتِ الاستنباطية.

وكان التوجيه مقصدًا للمستدركين الفقهاء، وقد أبرز هذا المقصِد الباحث/ محمد المصلح عند عدّه جهودَ اللخمي في التوجيه، وأن منها أنه: «يحكي وجهًا (١) لغيره ويناقشه: ينتقده أو يرجحه، يذكر وجه الرواية أو القول تمهيدًا لنقدهما أو ترجيحهما» (٢).

وقال الباحث/ عبد الحميد عشاق: «ولقد تميز المازري في توجيهه لمسائل المذهب أنه كان ينقل من كتب الأشياخ، واتّكأ جدًّا على ما ألفه حذاق المالكية وشراح دواوينهم، لكن عمله بالأساس ارتكز - بالإضافة إلى حسن التلخيص - على تمحيص هذه الاستدلالات وسبرها وتحقيقها، وهو ما يمكن أن نعبر عنه بنقد التوجيه» (٣).

ويُمكن قول مثل هذا في محققي المذاهب ومنقحيها.

ومن تطبيقاته:

قال القرافي موجّهًا الخلاف بين مالك وأبي حنيفة في مسألة الحلف بالقرآن هل تجب به الكفارة؟ : «قُلْنَا نَحْنُ: تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ مُنْصَرِفٌ لِلْكَلَامِ الْقَدِيمِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْكَلَامِ الْمَخْلُوقِ الَّذِي هُوَ الْأَصْوَاتُ. فَالْكَلَامُ فِي تَحْقِيقِ مَنَاطٍ هَلْ فِيهِ عُرْفٌ أَمْ لَا» (٤).


(١) يعني توجيهًا لغيره وجّه به الرواية أو القول.
(٢) الإمام أبو الحسن اللخمي وجهوده في تطوير الاتجاه النقدي في المذهب المالكي بالمغرب الإسلامي، (١/ ٢٣٤).
(٣) منهج الخلاف والنقد الفقهي عن الإمام المازري، (٢/ ٦٢٦).
(٤) الفروق مع إدرار الشروق وحاشية ابن حسين، (٣/ ٧٨).

<<  <   >  >>