للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثم لما تفرّق الصحابة في الأمصار - وهم متفاوتون في معرفة النصوص كمًّا وكيفًا -، وظهرت مدرستي أهل العراق وأهل الحجاز كثرت الاستدراكات الفقهية في الاستدلال والأدلة، ولنعتبر في هذا بـ (كتاب الأم) للشافعي، و (الحجة على أهل المدينة) لمحمد بن الحسن، ومراسلات مالك والليث في شأن دليل عمل أهل المدينة.

ثم لما استقرّت المذاهب تبادل منتسبوها الاستدراكات الفقهية في صورة الموسوعات الفقهية في كتب الخلاف العالي، وفي صورة مجالس الجدل والمناظرة التي انتشرت من أوائل القرن الرابع الهجري (١) خصوصًا بين الحنفية والشافعية.

ثم لما كثرت التصانيف في المذاهب التفت الفقهاء إلى تنقيح مذاهبهم (٢)؛ خوفَ ضياعها، ونسبةِ ما ليس منها إليها، فكثرت الاستدراكات الداخلية فيما يمكن أن نسميه (الاستدراك النازل) تشبيهًا بـ (الخلاف النازل)، بعد أن كان التوجه العام لدى المستدركين الفقهاء إلى ما يمكن أن نسميه (الاستدراك العالي) تشبيهًا بـ (الخلاف العالي).

ثم لما استحكم فشو التقليد من حوالي منتصف القرن السابع (٣) قلّ الاستدراك الفقهي بنوعيه: العالي والنازل، وكثرت الاستدراكات على المتون وشروحها بالحواشي والتعليقات مما يتعلق بدلالات ألفاظها غالبًا.

وعصرنا الحاضر يشهد نموًّا واهتمامًا بالدراسات النقدية والاستدراكية الفقهية، تأصيلاً وتطبيقًا، وبحسب اطّلاعي فإن الباحثين من المغرب العربي أكثر من غيرهم دراسة لهذا المجال، من ناحية تقعيد النقد الفقهي، مما له علاقة وثيقة بالدراسة الاستدراكية الفقهية.

وبعد هذا التمهيد أُناقش الاعتبارات لمظان الاستدراكات الفقهية في المباحث التالية:


(١) يُنظر: تاريخ التشريع الإسلامي، (٢٧٣). و: الفكر السامي، (٣/ ١٥١).
(٢) للتوسع يُنظر: المدخل إلى دراسة المذاهب والمدارس الفقهية، عمر بن سليمان الأشقر، (٦٧) وما بعدها. و: المدخل الفقهي العام، (١/ ٢٠٣) وما بعدها.
(٣) يُنظر: المدخل الفقهي العام، (١/ ٢١١).

<<  <   >  >>