للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن تطبيقات ذلك أيضًا ردّ الكوثري (١)

عن الحنفية ما يُتهمون به فقال: «لكن لا تخلو البسيطة من متعنّت يتقوّل فيهم، إما جهلاً أو عصبية جاهلية، فمرة يتكلمون في أخذهم بالرأي عند فقدان النص، مع أنه لا فقه بدون رأي، ومرة يرمونهم بقلة الحديث، وقد امتلأت الأمصار بأحاديثهم، وأخرى يقولون: إنهم يستحسنون، ومن استحسن فقد شرّع. وأين يكون موقع هذا الكلام من الصدق بعد الاطلاع على كلامهم في الاستحسان؟ وكيف يستطيع القائل بالقياس رد الاستحسان؟ والشرع لله وحده، إنما الرسول - صلوات الله عليه - مبلغه، وقصارى ما يعمل الفقيه فهم النصوص، فمن جعل للفقيه حظًّا من التشريع لم يفهم الفقه والشرع، بل ضلّ السبيل ... هذا وقد رأيتُ تفنيد تلك المقولات، بسرد مقدمات في الرأي والاجتهاد، وفي الاستحسان الذي يقول به الحنفية، وفي شروط قبول الأخبار عندهم، وفي منزلة الكوفة من علوم القرآن والعلوم العربية والفقه وأصوله، وكون الكوفة ينبوع الفقه المُشرق من بلاد المَشرق، المنتشر في القارات كلها، وميزة مذهب أهل العراق على سائر المذاهب، ومبلغ اتساعهم في الحفظ، وكثرة الحفاظ بينهم من أقدم العصور الإسلامية إلى عصرنا هذا، زيادة على ما


(١) هو: محمد زاهد بن الحسن بن علي الكوثري، جركسي الأصل، فقيه حنفي، له اشتغال بالأدب والسير. وتفقه في جامع (الفاتح) بالآستانة، ودرس فيه، وتولى رياسة مجلس التدريس، وتنقل زمنا بين مصر والشام، ثم استقر في القاهرة، موظفا في (دار المحفوظات) لترجمة ما فيها من الوثائق التركية إلى العربية. وكان يجيد العربية والتركية والفارسية والجركسية، وفي نطقه بالعربية لكنة خفيفة، له تعليقات كثيرة على بعض المطبوعات في أيامه، في الفقه والحديث والرجال، وله: النكت الطريفة في التحدث عن ردود ابن أبي شيبة على أبي حنيفة، والاستبصار في التحدث عن الجبر والاختيار، وله رسائل في تراجم زفر وأبي يوسف ومحمد الشيباني والبدر العيني، وغيرهم. توفي سنة ١٣٧١ هـ.

[يُنظر: الأعلام، (٦/ ١٢٩)].

<<  <   >  >>