للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول الدكتور ناظم الجاسور (١): «وعندما تطرح الولايات المتحدة الأمريكية نفسها باعتبارها القطب الأوحد أو القوة الخارقة، فإن ذلك يرجع إلى فلسفة دينية ثالوثية مقدسة، نهضت قوام الثلاث (الإغريقية-الرومانية) و (اليهودية-المسيحية) و (الوضعية-العَلْمانية). وتداخلت دوائرها وتكاملت حلقاتها عبر مسيرة معقدة كانت المرتكز الرئيس للحضارة الغربية البيضاء التي تكونت فيها أمريكا. ولذلك، فإن عقدة التفوق الحضاري الغربي، أو المركزية الغربية، وما تمخضت عنه من مفهوم (أورپة العالم) الذي يعبر عن (حلم) سيادة الجنس الأبيض الأوروپي على العالم، وما رافقه من مشروع استعماري اندلعت بسببه حربان عالميتان، انقطع إلى بروز تصور أو (حلم) آخر، وهو (أمركة العالم)، أي سيادة القيم والمعايير السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية الأمريكية، وذلك في إطار دورها التاريخي ورسالتها الحضارية في المجتمع الدولي والضامن الرئيس للتنظيم الدولي» اهـ.

أضف إلى هذا أن النموذج الأمريكي للديمقراطية الليبرالية تميز عن نظيره الأوروپي بخاصية مهمة تتمثل في قدرته على الاحتفاظ بنقائه الكامل، وذلك لجملة من العوامل، أبرزها - كما يذكر النقيد - اختلاف التطور التاريخي الذي خضعت له الولايات المتحدة الأمريكية بالقياس إلى التطور التاريخي الذي شهدته الدول الأوروپية؛ فالولايات المتحدة لم تعرف المشكلات التي ترتبت على وجود الإقطاع، وتخلخل المجتمعات الزراعية وسيادة البيروقراطية كما حصل في الدول الأوروپية.

إن الديمقراطية في الولايات المتحدة الأمريكية وجدت نفسها بمنأى عن هذه المشكلات، وبالتالي بمنأى عن الصراع الاجتماعي، مما سمح لها بالبقاء نقية بكل خصائصها الليبرالية الصرفة، وربما هذا هو الذي جعل الولايات المتحدة تعتز بديمقراطيتها وتستهين، في المقابل، بأشكال الديمقراطية الأخرى بما فيها الديمقراطية الپرلمانية الشائعة في دول غرب أوروپا. وهذا الاعتزاز يتضاعف مع استجابة ديمقراطيتها للِّيبرالية الاقتصادية التي تحظى لديها بحضور أعظم.


(١) د. ناظم الجاسور: تأثير الخلافات الأمريكية-الأوروپية على قضايا الأمة العربية، ص (١٠٢) باختصار.

<<  <   >  >>