للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مروان أو أن يعزل نفسه ويستريح من هذه الضائقة الشديدة، وأما القتل، فما كان يظن أحد أنه يقع ولا أن هؤلاء يجترءون عليه إلى ما هذا حده حتى وقع ما وقع.

الثاني: أن الصحابة مانعوا دونه أشد الممانعة ولكن لما وقع التضييق الشديد عزم عثمان على الناس أن يكفوا أيديهم ويغمدوا أسلحتهم، ففعلوا فتمكن أولئك مما أرادوا، ومع هذا ما ظن أحد من الناس أنه يقتل بالكلية.

الثالث: أن هؤلاء الخوارج لما اغتنموا غيبة كثير من أهل المدينة في أيام الحج ولم تقدم الجيوش من الآفاق للنصرة بل لما اقترب مجيئهم انتهزوا فرصتهم قبحهم الله وصنعوا ما صنعوا من الأمر العظيم.

الرابع: أن هؤلاء الخوارج كانوا قريبًا من ألفي مقاتل من الأبطال وربما لم يكن في أهل المدينة هذه العدة من المقاتلة لأن الناس كانوا في الثغور وفي الأقاليم في كل جهة.

الخامس: أن كبار الصحابة قد بعثوا أولادهم إلى الدار يحاجفون عن عثمان - رضي الله عنه - لكي تقدم الجيوش من الأمصار لنصرته، فما فجئ الناس إلا وقد ظفر أولئك بالدار من خارجها وأحرقوا بابها وتسوروا عليه حتى قتلوه.

قال القاضي ابن العربي (٤٦٨ - ٥٤٣هـ) (١): «وأمر عثمان كله كان سُنَّة ماضية، وسيرة راضية، فإنه تحقق أنه مقتول بخبر الصادق له بذلك، وأنه بشره بالجنة على بلوى تصيبه، وأنه شهيد» اهـ.

...

[بيعة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -]

في تلك الظروف الدقيقة التي مرَّت بها الدولة الإسلامية إثر مقتل عثمان - رضي الله عنه - كان المسلمون في حاجة ماسة إلى خليفة يملأ الفراغ السياسي، فوقع الاختيار على عليٍّ - رضي الله عنه -، وكانت بيعته بيعة شرعية لا يسع أحدًا من المسلمين نكثُها، قال شيخ الإسلام


(١) ابن العربي: العواصم من القواصم، ص (١٣٨).

<<  <   >  >>