للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الاتجاه الأول (وحدة الأديان)]

هو الاعتقاد بصحة جميع المعتقدات الدينية، وصواب جميع العبادات، وأنها طرق إلى غاية. وهذا الاتجاه، بطبيعة الحال يتسم بالدعوة إلى التخفف من السمات العقدية والتشريعية الخاصة بكل ديانة، بحسبانها ظواهر وتقاليد تاريخية محلية لشعب معين، في حقبة تاريخية معينة، والانضواء تحت مفاهيم عامة، وجمل فضفاضة.

ويمثل هذا الاتجاه في التاريخ زنادقة الصوفية من أرباب الاتحاد والحلول ووحدة الوجود، كالحلاج (ت. ٣٠٩هـ) وابن الفارض (ت. ٦٣٢هـ)، وابن عربي الأندلسي الملقب بالشيخ الأكبر والكبريت الأحمر (ت. ٦٣٨هـ)، القائل (١):

لقد صار قلبي قابلًا كل صورة ... فمرعىً لغزلان ودير لرهبان

وبيت لأوثان وكعبة طائف ... وألواح توراة ومصحف قرآن

أدين بدين الحب أنى توجهَت ... ركائبه فالدين ديني وإيماني

وتلقف هذا المعتقد من بعده مختلف الفرق الباطنية، ثم متصوفة العصر السائرون على خطى ابن عربي وأمثاله. ولعل أول من جهر بهذه الدعوة من الإسلاميين في العصر الحديث هو جمال الدين الأفغاني (١٨٣٨ - ١٨٩٧م)، حيث يقول في خاطراته ما نصه (٢): «... ثم رجعت لأهل جرم الأرض وبحثت في أهم ما فيه يختلفون فوجدته (الدين)، فأخذت الأديان الثلاثة وبحثت فيها بحثًا دقيقًا مجردًا عن كل تقليد، منصرفًا عن كل تقيد، مطلقًا للعقل سراحه. فوجدت بعد كل بحث وتنقيب وإمعان، أن الأديان الثلاثة، الموسوية والعيسوية والمحمدية، على تمام الاتفاق في المبدأ والغاية. وإذا نقص في الواحدة شيء من أوامر الخير المطلق، استكملته الثانية. وإذا تقادم العهد على الخلق وتمادوا في الطغيان، أو ساءت الكهان فهم الناموس، أو أنقصوا من جوهره، أتاهم رسول بأرفاد وتأييد، فأكمل لهم ما أنقصوه، وأتم بذاته ما أهملوه.

وعلى هذا لاح لي بارق أمل كبير أن تتحد أهل الأديان الثلاثة مثل ما اتحدت الأديان


(١) ابن عربي: ذخائر الأعلاق شرح ترجمان الأشواق، ص (٣٩ - ٤٠).
(٢) خاطرات الأفغاني، ص (٧٦) باختصار.

<<  <   >  >>