للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في جوهرها وأصلها وغايتها وأنه بهذا الاتحاد يكون البشر قد خطوا نحو السلام خطوة كبيرة في هذه الحياة القصيرة. وأخذت أضع لنظريتي هذه خططًا وأخط أسطرًا وأحبر رسائل للدعوة، كل ذلك وأنا لم أخالط أهل الأديان كلهم عن قرب وكثب ولا تعمقت في أسباب اختلاف أهل الدين الواحد وتفرقهم فرقًا وشيعًا وطوائف

ولكن ما علمت أن دون اتحاد أهل الأديان، تلك الهوات العميقة وأولئك المَرازِبة (١) الذين جعلوا كل فرقة بمنزلة (حانوت) وكل طائفة كمنجم من مناجم الذهب والفضة! ورأس مال تلك التجارات، ما أحدثوه من الاختلافات الدينية والطائفية والمذهبية ... علمت أن أي رجل يجسر على مقاومة التفرقة ونبذ الاختلاف وإنارة أفكار الخلق، بلزوم الائتلاف، رجوعًا إلى أصول الدين الحقة - فذلك الرجل - هو هو يكون عندهم قاطع أرزاق المتجرين في الدين! وهو هو في عرفهم: الكافر، الجاحد، المارق، المخردق، المهرتق، المفرق إلخ» اهـ.

كما نحى هذا المنحنى بعض شعراء المهجر من النصارى العرب كجبران خليل جبران (١٨٨٣ - ١٩٣١م)، القائل تحت عنوان: (لكم فكرتكم ولي فكرتي) ما نصه (٢): «تقول فكرتكم: "الموسوية، البرهمية، البوذية، المسيحية، الإسلام". أما فكرتي فتقول: "ليس هناك سوى دين واحد مجرد مطلق تعددت مظاهره وظل مجردًا، وتشعبت سبله ولكن مثلما تتفرع الأصابع من الكف الواحدة". وتقول فكرتكم: " الكافر، المشرك، الدهري، الخارجي، الزنديق". أما فكرتي فتقول: "الحائر، التائه، الضعيف، الضرير، اليتيم بعقله وروحه"» اهـ.

وفي هذا السياق كذلك يعقد عشاق التصوف المؤتمرات في تخليد ذكرى بعض (أولياء الصوفية) و (قديسي النصرانية)، تحت مسميات (الإيمانيات) و (الروحانيات) ونحوها، وكان من أبرز المشتغلين بهذا الأمر (فريق البحث الإسلامي المسيحي Groupe de


(١) مرازبة: جمع مَرْزُبان، يقول ابن الأثير (٥٥٥ - ٦٣٩هـ): «فيه: "أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمَرزُبانٍ لهم"؛ هو - بضم الزاي -: أحد مَرازِبَة الفُرْس، وهو: الفارس الشجاع المُقدَّم على القوم دون الملك. وهو مُعَرَّب». [انظر، ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث والأثر، ص (٨٦٥)].
(٢) انظر: المجموعة الكاملة لمؤلفات جبران خليل جبران: نصوص خارج المجموعة، ص (٩٠).

<<  <   >  >>