المال مع السلطة دورًا حاسمًا في ارتقاء الناس خلال المراتب اللاهوتية للكنيسة، وأسهم في طبيعة السمعة السيئة لكنيسة العصور الوسطى، وهناك على الأقل أربعون بابا معروفون أنهم شروا طريقهم إلى البابوية، وكانت الاتهامات بالقتل والجرائم داخل الكنيسة تتكدس وتصبح كثيرة جدًا ومتكررة بكثافة كلما حدث تغيير بالبابوية».
وينقل الندوي عن الراهب چيروم قوله (١): «إن عيش القسوس ونعيمهم كان يزري بترف الأمراء والأغنياء المترفين، وقد انحطت أخلاق البابوات انحطاطًا عظيمًا، واستحوذ عليهم الجشع وحب المال، حتى كانوا يبيعون المناصب والوظائف كالسلع، وقد تباع بالمزاد العلني، ويأذنون بنقض القانون، ويمنحون شهادات النجاة وإجازات حِلّ المحرمات والمحظورات كأوراق النقد وطوابع البريد، ويرتشون ويرابون، وقد بذروا المال تبذيرًا حتى اضطر البابا إنوسنت الثامن Pope Innocent VIII [١٤٣٢ - ١٤٩٢ م] أن يرهن تاج البابوية! ويُذكَر عن البابا ليو العاشر Pope Leo X [١٤٧٥ - ١٥٢١ م] أنه أنفق ما ترك البابا السابق من ثروة وأموال، وأنفق نصيبه ودخله، وأخذ إيراد خليفته المترقب سلفًا وأنفقه، ويُروى أن مجموع دخل مملكة فرنسا لم يكن يكفي البابوات لنفقاتهم وإرضاء شهواتهم» اهـ.
[مهزلة صكوك الغفران]
ولم يكف الكنيسة ورجالها هذا الفساد كله، فأضافوا إليه مهزلة من أكبر مهازل التاريخ، تلك هى مهزلة صكوك الغفران Indulgences؛ فقد أصدر مجمع لاتيران سنة
(١) أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص (١٥٥). نشرت جريدة الأهرام في عدد الجمعة ٢٩/ ٩/٢٠٠٦م، ص (١)، خبر تحت عنوان: (راعي الكنيسة سارقها .. في أمريكا)، جاء فيه: «أعلن المحققون الأمريكيون أمس أن اثنين من قساوسة الكنيسة الرومانية في ولاية فلوريدا الأمريكية سرقا أكثر من ٨.٦ مليون دولار من أموال الزكاة والعطايا التي توزع على الفقراء، وقال أحد المحققين: إنه تم اعتقال قسيس عمل راعيًا للكنيسة مدة ٤ عقود، في مطار (پالم بيتش Palm Beach) الدولي لدى عودته من أيرلندا، وذلك بتهمة سرقة ٨.٦ مليون دولار من أموال الكنيسة، وقد عثر على ٣١٤ ألف دولار في حوزته، وذكرت الشرطة الأمريكية أن القسيس الآخر هارب ولم يتم العثور عليه، وهو متهم بسرقة مبلغ غير معروف لتمويل مغامرات القمار التي يدمنها في لاس فيجاس وجزر البهاما» اهـ.