للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتلميذه الحافظ الذهبي (١): «لا نسُبُّه ولا نُحِبُّه» اهـ.

[رأي الإمام ابن تيمية في خروج الحسين - رضي الله عنه -]

قال ابن تيمية رحمه الله: «لما أراد الحسين - رضي الله عنه - أن يخرج إلى أهل العراق لما كاتبوه كتبًا كثيرة أشار عليه أفاضل أهل العلم والدين كابن عمر وابن عباس وأبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن لا يخرج، وغلب على ظنهم أنه يُقتَل، حتى إن بعضهم قال: أستودعك الله من قتيل. وقال بعضهم: لولا الشفاعة لأمسكتك ومصلحة المسلمين، والله ورسوله إنما يأمر بالصلاح لا بالفساد لكن الرأي يصيب تارة ويخطئ أخرى، فتبين أن الأمر على ما قاله أولئك، ولم يكن في الخروج لا مصلحة دين ولا مصلحة دنيا، بل تمكن أولئك الظلمة الطغاة من سبط رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى قتلوه مظلومًا شهيدًا، وكان في خروجه وقتله من الفساد ما لم يكن حصل لو قعد في بلده، فإن ما قصده من تحصيل الخير ودفع الشر لم يحصل منه شيء، بل زاد الشر بخروجه وقتله، ونقص الخير بذلك، وصار ذلك سببًا لشر عظيم. وكان قتل الحسين مما أوجب الفتن، كما كان قتل عثمان مما أوجب الفتن، وهذا كله مما يبين أن ما أمر به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والخروج عليهم هو أصلح الأمور للعباد في المعاش والمعاد، وأن من خالف ذلك متعمدًا أو مخطئًا لم يحصل بفعله صلاح بل فساد، ولهذا أثنى النبي - صلى الله عليه وسلم - على الحسن بقوله: "إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين" (٢)، ولم يثن على أحد لا بقتال في فتنة، ولا بخروج على الأئمة، ولا نزع يد من طاعة، ولا مفارقة للجماعة» اهـ (٣).

...


(١) الذهبي: سير أعلام النبلاء (٤/ ٣٦).
(٢) رواه البخاري، كتاب الصلح: ٢٧٠٤
(٣) ابن تيمية: منهاج السنة (٤/ ٥٣٠ - ١) .. يقول الدكتور عبد الله بن عمر الدميجي: «الخروج في العرف الشرعي كلمة تطلق على أحوال متفاوتة، وتسري عليها أحكام مختلفة؛ فقد يكون المراد بالخروج هو عدم الإقرار بإمامة الإِمام، وقد يكون بالتحذير منه ومن طاعته ومساعدته والدخول عليه، وقد يراد به المقاتلة والمنابذة بالسيف، وهذا الأخير هو المراد في أكثر عبارات السلف حينما ينصُّون على تحريم الخروج والنهي عنه عند ذكر عقائدهم. وبناء على تفاوت هذه الأحوال؛ فإنه تعتريه الأحكام الخمسة، نظرًا لاختلاف الأسباب والملابسات، فقد يكون محرمًا وكبيرة من الكبائر، وقد يكون مكروهًا، وقد يكون مباحًا، وقد يكون مندوبًا، وقد يكون واجبًا، لذلك فمن الخطأ إطلاق القول فيه بحكم خاص دون مراعاة للأسباب والملابسات الداعية إلى ذلك. ولهذا فإنه عند إرادة إطلاق الحكم الشرعي على هذه القضية فإنه يجب أن ينظر إلى جميع أطرافها بالمنظار الشرعي، ومن ثم يتبين الحكم» اهـ[من كتابه: الإمامة العظمى عند أهل السنة والجماعة، (ص٤٩٠ - ١)، دار طيبة، ط. الثانية].

<<  <   >  >>