للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التوجه، مؤكدًا أن أمريكا هي «النموذج الوحيد الباقي على قيد الحياة للنجاح الإنساني»، ولذا «يجب أن نقول للعالم إن أمريكا هي هكذا وينبغي أن تتعلموا منا وأن تكونوا هكذا».

وهكذا أصبحت الإدارة الأمريكية أكثر إدراكًا لارتباط مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأمنها ورفاهيتها بما يجري في مناطق العالم الأخرى، وبالتالي أضحت أكثر استعدادًا لاتباع سياسة خارجية نشطة قد تتورط بسببها في صراعات في أماكن متفرقة من المعمورة (١).

[زوال (الخطر الأحمر) وظهور (الخطر الأخضر)]

ولكن هنا بدت مشكلة، وهي أنه بعد أن زال (الخطر الأحمر) الشيوعي الذي كان يمثل تهديدًا قويًا للغرب بقيادته الأمريكية، صارت أمريكا تفتقر إلى عدو يمكنها من إضفاء صبغة شرعية على تدخلاتها في شئون غيرها، وهذا ما لم تعتد عليه السياسة الغربية على مدار التاريخ ..

ففي الواقع، «أن الغرب، ومنذ أن جعل مركزيته هي المعيار في الفكر والوجود، وهو يحاول (اختراع عدو) أو (صُنعه)، وتقسيم العالم قسمة جغرافية، سياسية، فكرية، أيديولوچية، بل ومعرفية تقوم على شرخ في التفكير لا يستطيع أن يرى الكون إلا من خلال أضداد مزدوجة يحدد كل ضد فيها الآخر ويمنحه هويته (٢).

وإزاء ذلك، وبعد زوال الخطر الشيوعي، كان لا بد للغرب أن يحافظ على بقاء هذه القمة، لكي يبقى هو القوة (الذات) المهيمنة على العالم. كان لا بد إذن من خلق خصم جديد، أولًا في الوعي الغربي، وهذه مهمة المفكرين والمنظِّرين الذين كثيرًا ما يطلب منهم ذلك بطرح الوعي الغربي، وطرح التصورات والأفكار، لتأتي المؤسسة العسكرية


(١) السابق، ص (١٠٠ - ١) باختصار وتصرف يسير.
(٢) وهذا واضح في ما صرح به چورچ بوش الابن مرارًا في (حربه ضد الإرهاب) - كما سيأتي بيانه - حيث قال: «في حرب الخير ضد الشر التي نخوضها، إما أن تكونوا معنا، وإما أن تكونوا ضدنا». [انظر، باربرا فيكتور: الحرب الصليبية الأخيرة، ص (٣٦). Barbara Victor: The Last Crusade].

<<  <   >  >>