للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمنية والإعلامية لإعداد سيناريوهات التنفيذ على أرض الواقع، وذلك من خلال افتعال صراع جديد مع الآخر لتوريطه في نزاع يعزز مناخ المواجهة ما دامت حصيلتها مطمْئنة، وهي انتصار الأقوى سياسيًا واقتصاديًا، وعسكريًا ومعرفيًا، أي الغرب.

وهذا ما دعا إليه وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كسنچر Henry Kissinger، عندما قال في كتابه الضخم (الديپلوماسية Diplomacy) إن ما تحتاج إليه أمريكا هو تهديد واضح معروف وأيديولوچيا معادية، هاتان الخاصيتان من خصائص الحرب الباردة لم تعودا موجودتين، الأمر الذي يتطلب (خلقهما) بالقوة نفسها. من هنا، جاءت طروحات المنظرين الغربيين لتؤسس لهذه المنطلقات الفكرية الأرضية السياسية والعسكرية والأمنية، وتحددت ساحة الصراع الواسعة چيولوچيتيكيًا (١)، وتشمل هذه الساحة كل الشرق الأوسط بامتداداته الواسعة من شمال إفريقيا حتى آسيا الوسطى» (٢).

ولو تحرينا الدقة لقلنا: إن ساحة الصراع المشار إليها هي ساحة العالم الإسلامي تحديدًا، وكذلك يتبين لنا الإشكال؛ لأن (التعلُّل) بنشر القيم الديمقراطية من أجل التدخل في الشئون الداخلية لدول العالم الإسلامي ليس بالأمر السهل، وذلك لأن الإسلام كما يعلمه المحللون والمُنَظِّرون الغربيون منظومة شاملة قائمة بذاتها ولها وضع السيادة المتعدية للحدود القومية، وهو بالتالي غير قابل لدمج أيديولوچيات وضعية مستوردة في منظومته.

وقد تفطن لهذا الأمر فرانسيس فوكوياما؛ ففي غمرة دفاعه الشديد عن ديمقراطيته الليبرالية، تجده يستثني قائلًا (٣): «... أما الآن فيبدو أن ثمة اتفاقًا عامًا - إلا في العالم


(١) كذا بالأصل، ولعل المقصود چيوپوليتيكيًا، أي چيوسياسيًا. والچيوسياسية، أو السياسة الجغرافية: هو مصطلح سياسي وضعه عالم السياسة السويدي رودولف كْچيلِّن Rudolf Kjellén (١٨٦٤ - ١٩٢٢ م) في مطلع القرن العشرين، ويعني باختصار (تأثير الخصائص الجغرافية لبلد ما على سياسة الدولة).
(٢) د. ناظم الجاسور: تأثير الخلافات الأمريكية-الأوروپية على قضايا الأمة العربية، ص (٤٦ - ٧) باختصار وتصرف يسير.
(٣) فرانسيس فوكوياما: نهاية التاريخ وخاتم البشر، ص (١٨٩).

<<  <   >  >>