يمكن القول إن پالمرستون تبنى بالكامل رؤى ناپليون، وأمسك أكثر بإمكانياتها، وراح يمهد الأرض لتحقيقها لاحقًا بالعدو الفرنسي وسابقًا له.
يقول هيكل (١): «وكانت ميزة بريطانيا في فترة صعودها أنها تحفظ الدرس من أعدائها وتطبق ثقافتهم بأحسن منهم؛ فكانت الپرتغال هي السابقة على الطرق البحرية بين القارات، وجرت بريطانيا وراءها ولحقتها وسبقتها. وكانت إسپانيا هي السابقة إلى استعمار العالم الجديد في أمريكا، وجرت بريطانيا وراءها ولحقتها وسبقتها. وكانت فرنسا - ناپليون - هي السابقة نحو مصر والواعية - في العصر الاستعماري - بأهمية الزاوية الاستراتيچية التي تجمعها مع سوريا، وجرت بريطانيا وراءها ولحقتها وسبقتها!».
كان پالمرستون - شأنه شأن كل ساسة جيله في هذا الوقت - يعرف ما فيه الكفاية عن المسألة اليهودية. وبالطبع فإنه كوزير لخارجية بريطانيا ثم رئيس لوزرائها كان مشغولًا بالمسألة الشرقية، لكن أوراقه لا تظهر أنه ربط بين المسألتين إلا بعد أن قام به ناپليون.
ويبدو أن پالمرستون اكتفى ذلك الوقت بهزيمة الخطط الفرنسية واطمأن، وإن كانت فكرة الوطن القومي لليهود قد طرحت عليه من بعض الپروتستانت الذين رأوا فيها تحقيقًا لنبوءة العهد القديم.
وإن كانت هذه الدعاوى التبشيرية قد وصلت إلى سمع پالمرستون، فليس مؤكدًا أنها وصلت إلى عقله. وكانت تلك هي المهمة التي يجب أن يتولاها أحد، وبالفعل تولاها لورد شافتسبري.
كان لورد شافتسبري صهرًا قريبًا لپالمرستون، وفي الوقت ذاته صديقًا مقربًا من اللورد روتشيلد وعائلته - وهم بين أكثر يهود الغرب الأغنياء والمأزومين من موجات هجرة يهود الشرق إلى غرب أوروپا، وأشدهم حماسة في العمل على (تصدير الفائض) منهم إلى فلسطين - وقد بدأ شافتسبري محاولاته لإقناع پالمرستون بالدعاوى المقدسة، ثم وجد
(١) محمد حسنين هيكل: المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل (١/ ٣٩) بتصرف يسير.