بفضل خدماتهم المالية المهمة، الأمر الذي أعطى ثقلًا للحركة المطالبة بانعتاق اليهود. وفي عام ١٨٩٠م، تم إلغاء آخر القيود الدينية على اعتلاء مناصب ووظائف سياسية، وبالتالي أصبح انعتاق اليهود كاملًا. واحتل بعض أعضاء الجماعة مواقع ومراكز مهمة في الإدارات والوزارات البريطانية اللاحقة.
ولكن، مع نهاية القرن التاسع عشر، تغيَّر التكوين الإثني ليهود إنجلترا نتيجة تَدفُّق جحافل يهود اليديشية من شرق أوروپاووسطها على إنجلترا، وغيرها من الدول، بسبب تَعثُّر التحديث كما ذكرنا آنفًا. وأدى ذلك إلى زيادة عدد يهود إنجلترا من يهود اليديشية خمسة عشر ضعفًا فيما يقارب أربعين عامًا. وخلق هذا جوًا من القلق في إنجلترا، وسادت شائعات تقول إن عدد المهاجرين بلغ ٧٥٠ ألف.
وكان يهود اليديشية تجارًا صغارًا متخلفين يحملون معهم إحساسًا جيتويًا عميقًا بعدم الأمن والطمأنينة. وأدَّى تواجدهم بهذه الأعداد الضخمة إلى ازدياد البطالة وازدحام المدن والجريمة. وأدَّى هذا الوضع إلى توتر العلاقات بين اليهود الإنجليز (السفارد والأشكناز المندمجين في المجتمع) وبين الوافدين الجدد من شرق أوروپا، إذ كان اليهود الإنجليز يعتبرون اليهود المتحدثين باليديشية عنصرًا غريبًا متخلفًا وعنصريًا يهدد مواقعهم الطبقية ومكانتهم الاجتماعية. ويضاف إلى هذا أنهم أحضروا معهم المسألة اليهودية من شرق أوروپا. وكان يهود اليديشية بدورهم ينظرون إلى اليهود الإنجليز باعتبارهم باردين ومندمجين في مجتمعهم، منعزلين تمامًا عن الحركات السائدة بين أعضاء الجماعات اليهودية في شرق أوروپا. ولذا، ظل الفريقان كلٌّ منهما بمعزل عن الآخر، كما أنهم لم يتزاوجوا فيما بينهم.
وأدَّى وفود العناصر اليديشية إلى قيام محاولات لوقف سيل الهجرة عن طريق تأليف لجنة ملكية لدراسة القضية (١)، وهنا يأتي دور لورد پالمرستون الثالث، هنري چون تمپل ..
(١) السابق (٤/ إنجلترا منذ عصر النهضة) باختصار وتصرف.