للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولعل من أبشع حركات الاضطهاد التي عاناها المسيحيون في القرن الأول تلك التي أنزلها بهم نيرون الطاغية Nero Claudius (٣٧ - ٦٨ م)، فقد ألقى بعضهم للوحوش الضارية تنهش أجسامهم، وأمر فطليت أجسام بعضهم بالقار وأشعلت لتكون مصابيح بعض الاحتفالات التي يقيمها نيرون في حدائق قصره (١).

[وعد الآخرة]

وحينما جاء وعد الآخرة، تحقيقًا لنبوءة المسيح - عليه السلام -، وذلك في عام ٧٠م، غزا الإمپراطور الروماني تيطس Titus Flavius Vespasianus (٣٩ - ٨١ م) بجيوشه مدينة القدس على أثر ثورة قام بها اليهود، ودمر المعبد اليهودي تدميرًا، وأحرق المدينة بأكملها، وقتل منهم أعدادًا كبيرة، وهرب من نجا منهم من القتل ليتفرقوا ويتشتتوا في أنحاء متفرقة من الأرض (٢).

وتبعه الإمپراطور هادريانوس Aelius Traianus Hadrianus (٧٦ - ١٣٨ م)، والذي أزال في عام ١٣٠م معالم المدينة ومعالم الأقصى تمامًا، وأقام مكانه معبدًا وثنيًا للإله چوپيتر Jupiter رب الآلهة الرومانية. كما قام بإبادة البقية الباقية من يهود حيث كان يراهم مصدرًا للثورات والإزعاج المتكرر.

ومن حين تدمير الأقصى لم يعد يربط اليهود أية سلطة مركزية، حيث تفرقوا وتشتتوا في أرجاء الأرض، كما أخبر ربنا تبارك وتعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَمًا} (٣).

وتوعدهم الله - جل جلاله - على اقتراف المعاصي فقال: {وَإِنْ عُدتُّمْ} أي: إلى الإفساد


(١) انظر، د. أحمد شلبي: مقارنة الأديان/المسيحية، ص (٩٤).
(٢) هذا بخلاف وعد الآخرة في قوله تعالى: {وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُوا الأَرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفًا} [الإسراء: ١٠٤]، والذي يفسره البعض على أنه مجيء اليهود لفيفًا ليستوطنوا أرض فلسطين، وهو ما يحدث منذ عقود، والله أعلم.
(٣) الأعراف: ١٦٨

<<  <   >  >>