للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الاتجاه الثاني (توحيد الأديان)]

ويُقصَد به المحاولات الساعية قديمًا وحديثًا إلى دمج جملة من الأديان والملل في دين واحد مستمد منها جميعًا، بحيث ينخلع أتباع تلك الأديان منها، وينخرطون في الدين الملفق الجديد.

وفرق ما بينه والاتجاه السابق، أن المناداة بـ (وحدة الأديان) تعني تصويب أوضاع قائمة ضمن أطرها الخاصة التي تميزها، بشرط عدم نفي أو استبعاد الآخرين، وربط تلك الوحدات المفردة بإطار عام يسوغ توجهاتها جميعًا. في حين أن (توحيد الأديان) تفعيل يقتضي إنهاء وحَلّ تلك الأوضاع السابقة ونسخها بوضع جديد، وإن كانت عناصره مأخوذة من حطام سابق.

ويميز الباحثون في تاريخ الملل بين لونين من ألوان الدمج والتوحيد، وهما: الالتقاطية، والتلفيقية:

فـ (الالتقاطية/إكلكتيسيزم Eclecticism): هي عملية دمج عناصر مختلفة دون محاولة إيجاد تنسيق منهجي بينها. ومثال ذلك في القديم، ما رواه أهل التفسير عن ابن عباس - رضي الله عنه - في سبب نزول سورة الكافرون «أن الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل والأسود بن عبد المطلب وأمية بن خلف لقوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا محمد، هلُمَّ فلتعبد ما نعبد، ونعبد ما تعبد، ونشترك نحن وأنت في أمرنا كله، فإن كان الذي جئت به خيرًا مما بأيدينا، كنا قد شاركناك فيه، وأخذنا بحظنا منه. وإن كان الذي بأيدينا خيرًا مما بيدك، كنت قد شركتنا في أمرنا، وأخذت بحظك منه، فأنزل الله - عز وجل - {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ}» (١)، وعنه أيضًا: «قالت قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم - ... فنحن نعرض عليك خصلة واحدة هي لنا ولك صلاح، تعبد آلهتنا اللات والعزى سنة، ونحن نعبد إلهك سنة، فنزلت السورة» (٢).


(١) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن (١٩/ ٥٣٣).
(٢) السابق (٢٢/ ٥٣٦).

<<  <   >  >>