للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(١): «اتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك ولو عُرِفَ المُحِقُّ منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله عن المخطئ في الاجتهاد» اهـ.

[قضية التحكيم (٣٧ هـ)]

انتهت معركة صِفِّين بالتحكيم؛ فكما روى الإمام أحمد عن حبيب بن أبي ثابت قال: «أتيت أبا وائل في مسجد أهله أسأله عن هؤلاء القوم الذين قتلهم عليٌّ بالنهروان، فيما استجابوا له وفيما فارقوه وفيما استحل قتالهم، قال: كنا بصِفِّين فلما استحرَّ القتل بأهل الشام اعتصموا بتَلٍّ، فقال عمرو بن العاص لمعاوية: أرسل إلى عليٍّ بمصحف وادعه إلى كتاب الله فإنه لن يأبى عليك، فجاء به رجل، فقال: بيننا وبينكم كتاب الله {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُوا نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ} (٢)، فقال عليٌّ: نعم أنا أولى بذلك، بيننا وبينكم كتاب الله» (٣).

وقد شهد زعماء الفريقين على عقد التحكيم، وكانت كتابته يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من صفر سنة سبع وثلاثين للهجرة، وكان نص الوثيقة: «بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما تقاضى عليه علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، قاضى عليٌّ على أهل الكوفة ومن معهم من شيعتهم من المؤمنين والمسلمين وقاضى معاوية على أهل الشام ومن كان معهم من المؤمنين والمسلمين، إنا ننزل عند حكم الله - عز وجل - وكتابه ولا يجمع بيننا غيره، وإن كتاب الله - عز وجل - بيننا من فاتحته إلى خاتمته، نحيي ما أحيا ونميت ما أمات، فما وجد الحكمان في كتاب الله - عز وجل - وهما أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص القرشي عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله - عز وجل - فالسنة العادلة الجامعة غير المفرقة.

وأخذ الحكمان من عليٍّ ومعاوية ومن الجندين من العهود والميثاق والثقة من الناس، أنهما آمنان على أنفسهما وأهلهما، والأمة لهما أنصار على الذي يتقاضيان عليه، وعلى المؤمنين والمسلمين من الطائفتين كلتيهما عهد الله وميثاقه أنَّا على ما في هذه الصحيفة، وأن قد وجبت قضيتهما على المؤمنين، فإن الأمن والاستقامة ووضع


(١) السابق (١٣/ ٣٤).
(٢) آل عمران: ٢٣
(٣) المسند (٣/ ٤٨٦)، وإسناده صحيح.

<<  <   >  >>