للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

السلاح بينهما أينما ساروا على أنفسهم وأهليهم وأموالهم وشاهدهم وغائبهم، وعلى عبد الله بن قيس وعمرو بن العاص عهد الله وميثاقه أن يحكما بين هذه الأمة ولا يردَّاها في حرب ولا فرقة حتى يعصيا، وأجل القضاء إلى رمضان وإن أحبَّا أن يؤخرا ذلك أخراه على تراض منهما، وإن توفي أحد الحكمين فإن أمير الشيعة يختار مكانه، ولا يألوا من أهل المعدلة والقسط، وإن مكان قضيتهما الذي يقضيان فيه مكان عدل بين أهل الكوفة وأهل الشام وإن رضيا وأحبا فلا يحضرهما فيه إلا من أرادا، ويأخذ الحكمان من أرادا من الشهود ثم يكتبان شهادتهما على ما في هذه الصحيفة، وهم أنصار على من ترك ما في هذه الصحيفة، وأراد فيه إلحادًا وظلمًا، اللهم إنا نستنصرك على من ترك ما في هذه الصحيفة» (١).

ولما لحادث التحكيم من أهمية في التاريخ السياسي للدولة الإسلامية، فإنه من الضروري إجلاء حقيقة وقائعه، حيث أسيء تصوير هذا الحادث بقدر ما أسيء تفسيره، فنتج عن الأمرين خلط كثير وإساءة إلى مكانة الصحابة وقدرهم، حيث باتت القصة الشائعة بين الناس عن حادث التحكيم تتهم بعضهم بالخداع والغفلة، وتتهم آخرين بالصراع حول السلطة، وقد ذكر الرواية المشهورة بطولها الإمام الطبري في تاريخه من طريق أبي مخنف لوط بن يحيى عن أبي جناب الكلبي (٢).

قال القاضي ابن العربي (٣): «وقد تَحَكَّم الناس في التحكيم فقالوا فيه مالا يرضاه الله، وإذا [لاحظتموه] بعين المروءة - دون الديانة - رأيتم أنها سخافة حمل على سطرها في الكتب في الأكثر عدم الدين، وفي الأقل جهل متين».

وقال ابن تيمية (٤): «ومعاوية لم يَدَّع الخلافة، ولم يُبايَع له بها حين قاتل عليًا، ولم يقاتل على أنه خليفة، ولا أنه يستحق الخلافة، ويقرون له بذلك، وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه، ولا كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدئوا عليًا وأصحابه بالقتال ولا


(١) تاريخ الطبري (٥/ ٥٣ - ٤).
(٢) انظر السابق (٥/ ٧٠ - ١).
(٣) ابن العربي: العواصم من القواصم، ص (١٧٢).
(٤) ابن تيمية: مجموع الفتاوى (٣٥/ ٧٢).

<<  <   >  >>